لكل السوريين

واقع المرأة الفراتية “1”

زليخة عبدي

منذ بدايات التاريخ، والمرأة مثلت دور القدسية، والآلهة، وناصرت العدل، والسلام، والمساواة لذلك كان عصرها دليل على الصفاء، والجمال ونشر الحب، والتكاتف حيث بذلت جهودًا جبارة وتضحيات جمَّة في سبيل خلق حياة إنسانية مفعمة بالألوان الربيعية  ذات مستقبل مشرق للأجيال من خلال اكتشافاتها العظيمة بحيث اعتمدت فيها حاجة مجموعتها المسؤولة عنها من تأمين ما يلزم لاستمرارية الحياة الإنسانية، وبذلك أهدت البشرية حقبة زمنية يملأها الخير والسلام، والعدل.

للأسف هذه الهدية هدمت عند ولادة الذهنية الذكورية السلطوية منذ خمسة آلاف سنة فعملت على هجمة عنيفة ضد المرأة، وتمزيق روحها لتتحول من آلهة الحب، والجمال إلى أَمَةٍ في المعابد لإشباع رغبات الرجل، وفرض سلطته على كافة أعضاء المجموعة، وتحويلهم إلى أفراد مطيعة لأوامرهم لأن أنانية الرجل عند معرفته بدوره في الإنجاب جعلته يتناسى ما قدمته المرأة من جهود، وتضحيات لإبقاء استمرار حياة الإنسان.

فكانت الإدارية الفعالة بشكل عادل لم تعمل على التمييز، والفوضى، وأخذ أدوار غيرها بالعكس كانت تعطي كل فرد مهام لتفعيل دوره، ومقابل كل هذا جعل الرجل يرى فيها عدواً منافساً له على السلطة لأنه تأثر بما كان يقوم به أثناء الصيد الذي تعلم من عملية الصيد كافة فنون المنافسة، والخداع والمكر.

إذ وضع نصب عينيه كيف يكسر المرأة، ويجعلها تخضع لسلطته، وبالفعل باتباع هذه الأساليب استطاع فرض هيمنته، وبدأت مرحلة الإنسانية بنظام جديد مستبد قائم على لطخة الحياة بألوان القتل، والدمار نظام استند إلى المركزية ضاربًا كل ما يعرف بالمساواة، والعدالة، والحرية والديمقراطية وبذلك تحولت الإنسانية إلى أزمة وعقدة لا تعرف ماهية الخلاص حيث غرق المجتمع بالعديد من القضايا الاجتماعية، وبها تحطمت كافة القيم الكومينالية  للمجتمع التي تشكلت على مر آلاف السنين.

كل هذه الويلات لم تسلم منها المرأة الفراتية في الرقة، والتي سميت بهذا الاسم نسبة إلى جريان نهر الفرات في أراضيها، وما حملت معها من قصص مؤلمة بحق المرأة أغرقتها، وجرفتها أمواجها عبر الأوطان إلى الخليج العربي لتصب رحالها فيها، وتصبح مدفونة، ومخفية عن أنظار البشر.

لهذا الاسم معاني ربطت بأبشع أنواع الظلم المرتكبة بحق هذه المرأة حيث كانت فقط أداة لخدمة الرجل مطيعة لا تخالف الأوامر، وإذا خالفت ستتعرض للظلم، والإهانة، واحتمالية أن تقتل من دون أي ذنب ليست ببعيدة فقط لأنها مرأة، وأداة إنجاب حيث ارتبط هذا الإنجاب بأنها هي المسؤولة إذا أنجبت الإناث لأنها مرغمة أن تنجب الذكور.

المآسي التي اعترضت حياتها، وهي في كل حمل خائفة بأن تلد أنثى، ومطلوب منها إنجاب الذكر ففي كثير من الأحيان كانت معرضة لزواج زوجها إذا أنجبت إناث، وإذا تأخرت عن الإنجاب دون مراجعة الطبيب أصابع الاتهام موجهة إليها لعدم الإنجاب لا يفكرون بفحص الرجل فهذا معيب بحقه، وأداة زراعية تعمل في الأراضي من الصباح إلى غروب الشمس، وبعد العودة إلى المنزل تنهمك بالأعمال المنزلية من تحضير الطعام، ومتابعة تربية أولادها وصرخات الرجل تتعالى بالمنزل لماذا أنتِ مقصرة.

لا يراعي مدى التعب الذي تتلقاه طيلة النهار، ويطالبها بأن تضاجعه الفراش بكل ما يتمناه قلبه ولا حول ولا قوة لها تعودت بأن تكون فقط مطيعة محافظة على بيتها خشية الطلاق، وحرمت من حق التعليم لتبقى جاهلة كي لا تعرف حقوقها، والبعض منهن دخلن المدارس، واستطاعت متابعة الدراسة إلا أنَّها كانت تحمل الشهادة دون أن تتوظف في أي دائرة حكومية إلا في حال إذا انتسابها لحزب البعث العربي الاشتراكي كون هذا النظام لعب دور أساسي مع المجتمع في إبعاد المرأة عن معرفة حقوقها، وممارستها العمل الإداري، والسياسي كون النظام الحاكم مدرك ماهية أن تستلم المرأة هكذا أدوار بأن تفشل بالسيطرة على المجتمع لأن المرأة المتحررة تعني مجتمعًا متحررًا.