لكل السوريين

قرى القباب في ريف حلب… تراث معماري مهدد بالاندثار رغم قيمته التاريخية

حلب/ خالد الحسين

في أرياف حلب، وبشكل خاص في الريف الشرقي، تنتشر قرى مميزة بطابعها المعماري الفريد تُعرف بقرى القباب، نسبة إلى منازلها المبنية على شكل قباب طينية. هذه القرى، التي يعود تاريخ بعضها إلى مئات السنين، لا تزال شاهدة على التراث العمراني البدوي والزراعي في المنطقة، وتحمل في طياتها ذاكرة سكانها وعراقة المكان. ومن أشهر هذه القرى “تل قراح” و”تل عران” و”تل الضمان” و”أبو جبار”، حيث تتناثر البيوت المقببة في مشهد معماري قلّ نظيره في سوريا وربما في العالم.

نشأت هذه القرى منذ قرون، وكانت تُبنى القباب فيها بطريقة تقليدية تعتمد على الطين والقش، دون الحاجة إلى أعمدة أو أسقف خشبية، ما جعلها خياراً مثالياً في بيئة شبه صحراوية تعاني من شح الموارد. واحدة من أبرز مزايا هذه القباب أنها توفّر بيئة معيشية طبيعية ومريحة، فهي تحتفظ بالبرودة خلال أشهر الصيف الحار، وتحافظ على الدفء في فصل الشتاء، ما يجعلها أكثر كفاءة من كثير من الأبنية الحديثة في التكيّف مع تقلبات المناخ. ورغم مرور الزمن وتغير أنماط البناء، لا يزال بعض الأهالي يفضلون العيش في هذه القباب، اعتزازاً بتراثهم وارتباطهم بالأرض.

وفي جولة أجراها مراسل “السوري” في ريف حلب الشرقي، التقى بأبو خالد، رجل في الستين من عمره، يجلس أمام بيته المقبب بجوار زوجته أم خالد، حيث تحدّثا بابتسامة عن تعلقهما بهذه المنازل. يقول أبو خالد: “ولدت في هذا البيت، وعشت فيه عمري كله، كل زاوية فيه تحكي قصة، ولا يمكن أن أتركه مهما تغيرت الدنيا”. أما أم خالد، فكانت تضع إبريق الشاي على موقد طيني، وتضيف: “القباب فيها دفء القلب، لا تشبه البنايات الجديدة، هنا نعيش ببساطة، ونتنفس الراحة”. ولم يقتصر الأمر على الذكريات فقط، بل عبّرا عن رضاهما التام عن مناخ المنزل الطبيعي، مؤكدين أن القباب تحميهم من حر الصيف وصقيع الشتاء دون الحاجة إلى مكيفات أو تدفئة صناعية.

من جانب آخر، التقت صحيفة “السوري” بأبو أحمد، رجل يعمل في ترميم القباب الخاصة به كل سنة، حيث قال وهو ينظر إلى قبة أنهى ترميمها مؤخرا: “أنا أعتبر نفسي مسؤولا عن هذه البيوت، لا أستطيع أن أراها تنهار. الطين يتأثر بالمطر والريح، لذلك أرممها كل سنة تقريبا، وأستخدم المواد التقليدية نفسها”. وأشار أبو أحمد إلى أهمية نقل هذه المعرفة إلى الأجيال الشابة، مؤكداً أن قباب ريف حلب ليست فقط بيوتا للسكن، بل جزء من هوية المكان وتاريخه العريق.

ورغم هذا التعلق العميق بالتراث، تواجه قرى القباب تحديات كبيرة تهدد باندثارها، حيث يترك كثير من السكان منازلهم القديمة ويتجهون نحو البناء الإسمنتي الحديث، الذي يرونه أكثر “عصرية” رغم كلفته العالية وافتقاره للانسجام البيئي. كما أسهم النزوح الذي شهدته المنطقة خلال سنوات الحرب في تراجع الاهتمام بهذه القرى، وزاد من تهالك بعض القباب المهجورة.

ورغم ذلك، يرى ناشطون ومهتمون بالتراث العمراني أن قرى القباب في ريف حلب تستحق أن تُصنّف كمناطق تراثية يجب حمايتها من التدمير والتهميش. هذه القرى، بما تحمله من قيمة تاريخية وجمالية، يجب أن تكون موضع رعاية خاصة من الحكومة، من خلال تقديم الدعم لترميمها وتوثيقها، وتشجيع السكان على الحفاظ عليها. كما يُقترح إدراجها في مشاريع السياحة الريفية، ما قد يساهم في إحيائها اقتصادياً وثقافياً.

- Advertisement -

- Advertisement -