لكل السوريين

رأس المال السياسي: أداة النفوذ والتأثير في الساحة السياسية وتحديات إساءة استخدامه

إعداد/ سلاف العلي

يُعد “رأس المال السياسي” من المفاهيم الأساسية التي تفسّر مدى قدرة السياسيين أو الأحزاب على التأثير في مجريات الحياة السياسية، وصياغة السياسات العامة والتشريعات، من خلال الثقة والمصداقية التي يكتسبونها من ناخبيهم، بالإضافة إلى علاقاتهم مع الكيانات السياسية الأخرى. ورغم طبيعته غير الملموسة، بخلاف رأس المال المالي، إلا أن رأس المال السياسي يُعد مورداً حيوياً يمكن أن يصنع الفارق بين الفشل والنجاح السياسي.

هذا المفهوم، الذي يُقاس بمستوى النوايا الحسنة والدعم الشعبي الذي يحظى به المسؤول أو الحزب، يمكن توظيفه لدفع أجندات سياسية، وتمرير قوانين، والتفاوض على قضايا حساسة نيابة عن الناخبين. ويكتسب السياسيون هذا الرأس من خلال إجراءات تحظى بالشعبية، مثل الاستجابة الفعالة للأزمات أو سن قوانين تخدم مصالح المواطنين، بينما يفقدونه عند اتخاذ قرارات لا تحظى بقبول عام، أو عند الفشل في إدارة الأزمات.

ويُعتبر رأس المال السياسي مورداً قابلاً للاستهلاك، إذ إن استخدامه بطريقة غير مدروسة أو في قضايا لا تلقى تأييداً شعبياً قد يؤدي إلى نفاده، وهو ما يستوجب على السياسيين استخدامه بحذر وتخطيط استراتيجي. فالفهم العميق لطبيعة هذا النوع من الرأس أمر ضروري لأي شخص يسعى إلى دخول المعترك السياسي أو فهم آلياته المعقدة.

وبحسب مختصين في الشأن السياسي، فإن رأس المال السياسي يُعبّر عن قدرة الفرد أو الحزب على التأثير في عملية صنع القرار، وهو يتشكل من خلال العلاقات، التحالفات، وحسن إدارة الأزمات، وكلما زادت هذه العوامل، زادت قدرة الفاعل السياسي على تمرير سياساته ومبادراته. غير أن هذا النوع من النفوذ عرضة للإساءة، إذ إن استخدامه لتحقيق مصالح شخصية أو أجندات ضيقة يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة.

ويحذّر الخبراء من أن سوء استخدام رأس المال السياسي قد يؤدي إلى تقويض ثقة الجمهور في المؤسسات الرسمية، وانخفاض المشاركة السياسية والمدنية، إضافة إلى تداعيات قانونية قد تصل إلى حد الملاحقة القضائية، إذا ارتبط الأمر بفساد أو أنشطة غير قانونية. كما يُمكن أن يتسبب في فقدان السمعة والمكانة السياسية، وصعوبة إعادة الانتخاب، أو حتى العزل السياسي والاجتماعي.

ومع تكرار حوادث إساءة استخدام هذا الرأس في عدد من الدول، يواجه السياسيون تحديات متزايدة في الحفاظ على رصيدهم الشعبي والسياسي. فالشارع، الذي أصبح أكثر وعياً من ذي قبل، بات سريع التفاعل مع التجاوزات، حيث لا تخلو ساحات السياسة من احتجاجات وردود فعل شعبية ضد السياسات غير العادلة أو القرارات التي لا تعكس مصالح المجتمع.

ومن الناحية العملية، يتطلب استخدام رأس المال السياسي توازناً دقيقاً، بحيث يتم توظيفه لخدمة المصلحة العامة، وليس كأداة لتعزيز النفوذ أو تصفية الحسابات. ومن منظور أخلاقي، فإن السياسيين مطالبون بوضع احتياجات ناخبيهم أولاً، والعمل على تجنب الوقوع في فخ التربّح أو التحالفات المشبوهة.

ومع تطور الساحة السياسية في العالم، وتزايد الاعتماد على التحليلات والمؤشرات، أصبح قياس رأس المال السياسي أمراً ممكناً من خلال أدوات متعددة مثل الدراسات الاستقصائية، بيانات حملات الضغط، وجمع التبرعات، حيث تُستخدم هذه الوسائل لتقييم مستوى التأثير الذي يتمتع به السياسي أو الحزب، وتمكينهم من اتخاذ قرارات استراتيجية مدروسة.

كما أن فهم الاتجاهات والتغيرات المستقبلية المتعلقة برأس المال السياسي يُعد عنصراً أساسياً للنجاح، خاصة في بيئة سياسية سريعة التغير. من هنا، فإن السياسي الذي يُدرك ديناميكيات رأس المال السياسي، ويُحسن استخدامه، يمتلك مفاتيح القوة والتأثير، بينما يؤدي تجاهله أو إساءة استخدامه إلى فقدان الثقة والشرعية.

ويخلص التقرير إلى أن رأس المال السياسي ليس مجرد أداة للنفوذ، بل هو امتحان دائم لمدى التزام السياسي بمسؤولياته تجاه مجتمعه، وأن صونه واستثماره بشكل مسؤول هو ما يصنع الفرق بين القائد الفعّال والمغامر السياسي.