لكل السوريين

في محاولة لإسكات المعارضة.. النظام التركي يعتقل المنافس الرئيسي لأردوغان ومظاهرات الاحتجاج تتصاعد

بعد ساعات على قرار جامعة اسطنبول إلغاء شهادة تخرج رئيس بلدية اسطنبول، فوجئ الرأي العام التركي بنبأ اعتقال أكرم إمام أوغلو، ومجموعة من المقربين منه، في خطوة تنذر بتحولات كبيرة في المشهد السياسي التركي.

وبدأت النيابة العامة التحقيق معهم بتهم تتعلق بالإرهاب والفساد، مما تسبب بحالة من التوتر الشديد، واندلاع المظاهرات والاحتجاجات في معظم أنحاء تركيا.

ووصف المعارضون هذه الخطوة بأنها “ضربةُ للديمقراطية” و “محاولةُ انقلابية”، واعتبرها مراقبون بداية لتدهور الحريات السياسية في تركيا.

وأثارت هذه الاعتقالات حالة واسعة من الجدل، ورآها البعض محاولة من قبل رئيس النظام التركي الذي يسعى لتعديل الدستور بما يمكنه من الترشح لفترة رئاسية جديدة، للحيلولة دون ترشح أكرم للرئاسة، كونه يتمتع بشعبية أكبر بكثير من شعبيته.

وقال إمام أوغلو، في مقطع فيديو سجله بينما كانت الشرطة تداهم منزله “لا يمكن إسكات إرادة الشعب”، وتعهد بالوقوف بحزم من أجل الشعب التركي، وكل من يتمسك بالديمقراطية والعدالة في جميع أنحاء العالم.

من جانبه قال حزب الشعب الجمهوري، الذي ينتمي إليه أوغلو، إن “التدخلات الأخيرة ضد أوغلو هي محاولة انقلابية، لمنع الشعب من تحديد الرئيس القادم”.

مظاهرات احتجاج

تظاهر آلاف الأشخاص في اسطنبول ضد اعتقال أوغلو والمقربين منه، رغم أن والي اسطنبول أمر عقب عملية الاعتقال، بحظر جميع المظاهرات والاجتماعات والتصريحات الصحفية في المدينة “من أجل الحفاظ على النظام العام، ووقف الأعمال الاستفزازية المحتملة”.

واحتشد المتظاهرون خارج مكتب أوغلو، مرددين هتافات “اللص في القصر.. واسطنبول في الشوارع”.

وقامت الشرطة بتفريق التجمعات، واستخدمت الغاز المسيل للدموع، لتفريق الطلبة الذين احتشدوا خارج جامعة اسطنبول.

كما أُغلقت العديد من الشوارع في المدينة أمام حركة المرور، وأُلغت خدمات بعض خطوط المترو أيضاً.

كما شهدت العاصمة أنقرة مظاهرات مماثلة، احتجاجاً على اعتقال إمام أوغلو، رغم الإجراءات الأمنية المشددة، حيث حاول عدد من الطلاب عبور الحواجز، ما أدى إلى مناوشات مع الشرطة التي أطلقت الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع.

فيما هتف حشد من عدة آلاف من الأشخاص، وكثير ومنهم من طلاب الجامعات بشعار “طيب.. استقل”، موجهين خطابهم إلى رئيس النظام التركي.

وذكرت منظمة “نت بلوكس” لمراقبة الإنترنت ومقرها بريطانيا، أن تركيا فرضت قيوداً صارمة على الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي، مثل إكس ويوتيوب وإنستغرام، وتيك توك عقب الاعتقالات.

تداعيات الاعتقالات والمحاكمة

وصفت المعارضة اعتقال أوغلو بأنه “محاولة انقلاب”، و”محاولة سياسية لإسكات المعارضة”.

وتم اعتقال المئات ممن شاركوا بالاحتجاجات التي اندلعت في تسع مدن تركية من بينها إسطنبول وأنقرة وإزمير رفضاً لتوقيف أكرم إمام أوغلو.

وقال وزير الداخلية التركي إن الاعتقالات شملت مدنا رئيسية أخرى مثل أضنا وأنطاليا وتشاناكالي وإسكيشيهير وكونيا وإدرنا.

وعلى الصعيد الاقتصادي، شهدت الليرة التركية تراجعاً حاداً فور الإعلان عن اعتقال أوغلو، حيث انخفضت قيمتها أمام الدولار مسجلة أدنى مستوى لها على الإطلاق مع تراجع حاد في السندات والأسهم، وسط مخاوف من عدم الاستقرار السياسي.

وتراجعت مؤشرات البورصة التركية، بسبب قلق المستثمرين من تداعيات الأزمة السياسية.

ويتوقع مراقبون أن يؤدي هذا الوضع إلى تراجع ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد التركي، مما يؤثر على تدفقات رأس المال والاستثمارات المباشرة.

وعبر مستثمرون عن قلقهم من تداعيات ذلك على السياسة النقدية، وخشيتهم من أن يؤدي الانخفاض الحاد في قيمة الليرة إلى تأخير أو إيقاف دورة التيسير النقدي، وعكست انهيارات سوق الأسهم مخاوف المستثمرين بشأن سيادة القانون.

وقد تواجه تركيا ضغوطا اقتصادية إضافية إذا استمرت التوترات السياسية، خاصة مع قرب الانتخابات الرئاسية.

دود أفعال

وصفت رئيسة المفوضية الأوروبية اعتقال رئيس بلدية إسطنبول والمرشح الرئاسي المعارض، أكرم إمام أوغلو، بأنه “مدعاة للقلق العميق”.

وأكدت أورسولا فون دير لاين خلال مؤتمر صحفي عقدته في بروكسل، على ضرورة “احترام تركيا للقيم الديمقراطية وحقوق المسؤولين المنتخبين تركيا” وطالبت أنقرة بالالتزام بالمعايير الديمقراطية “إذا كانت ترغب في الحفاظ على علاقاتها مع أوروبا”.

وبدورها أدانت منظمة هيومن رايتس ووتش توقيف أوغلو، ودعت إلى الإفراج عنه فورا.

وقالت المنظمة “يتعين على الرئيس التركي أن يضمن احترام نتائج الانتخابات البلدية في إسطنبول، وألّا يتم استخدام نظام العدالة الجنائية سلاحاً لأغراض سياسية”.

وداخلياً، توسعت وتصاعدت ردود الأفعال الغاضبة على الاعتقالات والمحاكمات، ووصف رئيس حزب “الشعب الجمهوري” اعتقال إمام أوغلو بأنه “انقلاب مدني” ضد إرادة الشعب، وقال في بيان له على موقع أكس “اتخاذ القرارات نيابة عن الشعب واستعمال القوة لاستبدال إرادة الشعب أو عرقلتها هو انقلاب”.

واعتبر زعيم حزب “الجيد” القومي، أن “ما تفعله حكومة رجب طيب أردوغان اليوم هو محاولة للقضاء على النظام الدستوري”.

ووصف حزب “المساواة وديمقراطية الشعوب” حملة الاعتقالات بأنها “هجوم مفتوح على الديمقراطية وإرادة الشعب”، ودعا إلى إطلاق سراح المعتقلين.

وقال رئيس بلدية أنقرة الكبرى “يجب على كل من يدافع عن سيادة القانون والديمقراطية وإرادة الشعب في هذا البلد أن يعلم أن هذه المحاولات ضد رئيس بلدية منتخب غير مقبولة أبداً”.