إعداد/ انعام إبراهيم نيوف
إن الهيئات الدولية أجمعت على الربط ما بين الحوكمة المحلية واللامركزية لتحقيق التنمية المستدامة الإنسانية وحقوق الإنسان والمساواة وتفعيل القوانين والتركيز على الشفافية في المعلومات وتبني نظام للمساءلة، على أن يتوافق مع النهج الوطني الاجتماعي- الثقافي- الاقتصادي ، وأهم عناصر الحوكمة الرشيدة المشاركة الفعالة للمواطنين من خلال ممثليهم، وبالمشاركة في اللقاءات والحوارات وفي برامج التمكين وبناء القدرات وفي تحديد الأولويات والسياسات والبرامج في مجتمعاتهم المحلية، لتكون ملبية لحاجاتهم وتطلعاتهم المستقبلية من جهة، وليكونوا العين التي تراقب الأداء وتخضع المسؤولين للمسائلة في حالة أي تقصير. وعليه، فإن اللامركزية الديمقراطية تتيح للمواطنين والمجموعات ممارسة هذه الأدوار من خلال مؤسسات المجتمع المدني والهيئات المختلفة العاملة محلياً. فاللامركزية باختصار تدعو إلى إعادة الهيكلة الإدارية على المستويين المركزي والمحلي لتفويض المجلسين التنفيذي والمحافظة بجزء من الميزانية والصلاحيات الإدارية من المركز لإقامة المشاريع التنموية وتقديم الخدمات بكفاءة أكبر محلياً. مع ضرورة عدم إغفال تبني نظام للمراقبة والمساءلة على المستويين المركزي والمحلي لتقييم الأداء ومحاربة الفساد وسوء الاستغلال للمركز ـ وللوظيفة.
وبقدر ما تلتقي مجمل الآراء حول الحاجة الملحة اليوم لمؤسسات محلية منتخبة تسهر على خدمة مواطني المناطق وتسهم في النهوض بها، فإن الجدل يستمر حول نوعية هذه الهيكلة ومعنى اللامركزية وتحدياتها ورهاناتها ومدى قابلية النسيج الاجتماعي لها كشكل جديد لتنظيم سلطة الدولة على أراضيها.
ومن الضروري أن تتضمن التشريعات الجديدة قدراً من اللامركزية التي تحد من سلطة الدولة المركزية والمهيمنة لتفسح المجال لمواطني المحافظات والمدن بتعهد أمورهم بأنفسها، ومن الضروري أن تناغم الجسم الاجتماعي، في تعدده ومختلف مستويات الروابط التي تنظمه، سواء المحلية منها أو العشائرية أو الإثنية أو الدينية أو الطائفية، مع مؤسسات الحكم المحلي باعتبارها جزءاً من مؤسسات الدولة الموحدة.
يشكل غياب الحل لبعض عناصر الأزمة المجتمعية الداخلية وعدم بيان حواملها ومدى القدرة على تجاوزها سبباً إضافياً في مطلب اللامركزية السياسية، وأبرزها:
مسألة الحقوق سواء كانت قومية أم إثنية أم دينية فهي الجسر الذي ينقل الفرد أو الجماعة من ضفة العداء للدولة وللفئات المجتمعية الأخرى، وهذا ما يعزز الشعور بأن الجميع هم أجزاء المشروع الوطني السوري.
وإن التخلص من ثقافة الاستبداد المجتمعية والانتقال بالمجتمع إلى ثقافة المشاركة وقبول الآخر وممارسة الديمقراطية عن وعي وثقافة والتزام كامل بالأنظمة والقوانين، وتداول طبيعي وسلس للسلطة سواء كانت لامركزية سياسية أم لا مركزية إدارية، عدم وجود عقد اجتماعي سوري لا يستثني أحداً، ويكون صالحاً للبناء عليه في تحديد شكل الدولة المقبل، وإن عدم التفريق بين اللامركزية السياسية واللامركزية الإدارية وبيان اختصاصات وخصائص كل منهما على حدة سيشكل مفخخات قابلة للتفجير في أي لحظة ومنح المجال للأحزاب السياسية ومن خلفهم الدول القريبة والبعيدة للتلاعب والفساد وإشعال الحروب بين المكونات.
ويجب أن يتضمن أي نظام حوكمة التوجهات التالية:
أ) تجنب تضارب المصالح: حيث يحظر على أعضاء مجلس الإدارة، والمديرين التنفيذيين والعاملين في أية شركة أن يستغل أي منهم منصبه أو وظيفته لتحقيق مصلحة له أو لزوجته أو لأولاده أو أحد أقاربه على حساب مصالح الشركة وحملة الأسهم وأصحاب المصالح الأخرى.
ب) عدم الاستغلال: يجب أن يتجنب مديرو الشركة والعاملون فيها استخدام واستغلال مرافق الشركة وممتلكاتها أو المعلومات الخاصة بها لمنفعة شخصية أو التنافس مع الشركة، والحفاظ على سرية المعلومات، وعدم الإفصاح عنها ما لم يكن إفصاحاً مفروضاً بموجب القانون.
ج) الإنصاف في التعامل: يجب أن يتضمن الميثاق التزام المديرين والعاملين في الشركة بالتعامل مع جميع عملاء الشركة ومورديها وموظفيها تعاملاً منصفاً وتجنب استغلال حاجة شخص ما أو موقفه وظروفه الخاصة.
د) حماية أصول الشركة وحسن استخدامها: يجب على جميع المديرين والعاملين استخدام أصول الشركة لتحقيق مصالح الشركة المشروعة، وحماية تلك الأصول من الإهمال والهدر.
ه) الامتثال للقوانين والنظم: يجب أن يتضمن الميثاق إلزامية الامتثال للقوانين والنظم واللوائح كل في مجال عمله، والالتزام بالأعراف المستقرة، ووضع الضوابط الرادعة لكل خروج عن تلك القوانين والنظم والتعامل معها بحزم.
شمولية الحوكمة:
أننا نرى في الحوكمة كنظام للإدارة الرشيدة نظاما أكثر شمولية ويتعدى الطابع الاقتصادي والتجاري، ليشمل جميع الشركات والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية. فمفهوم الحوكمة في معناه الأشمل يمتد ليشمل جميع المؤسسات العاملة في المجتمع سواء كانت شركات أو مؤسسات إنتاجية أو خدمية. وسواء كانت تلك الشركات مدرجة أو غير مدرجة، شركات أشخاص أو شركات أموال، أو شركات عائلية. وسواء كانت تلك المؤسسات مملوكة من قبل القطاع الخاص أو مملوكة من قبل القطاع العام، والتي يرتبط نشاطها إما بإنتاج سلعة أو تقديم خدمة لصالح ورفاه الفرد والمجتمع ككل. لذا فإن مفهوم الحوكمة يرتبط ارتباطا وثيقاً بالجوانب القانونية والمالية والمحاسبية والاقتصادية ومنظومة القيم الاجتماعية والأعراف المستقرة. وفي هذا الصدد فإننا نرى ضرورة إضافة مبدأ أساسي إلى مبادئ الحوكمة لم تتناوله الأدبيات والنظم المهتمة بحوكمة الشركات وهو المسؤولية الاجتماعية. ومن ناحية أخرى تختلف أساليب الحوكمة من حيث الشمولية والنطاق حسب أنواع الملكية.