تقرير/ بسام الحمد
لا يصدق عمران أن مبلغ الـ 100 دولار، التي يرسلها ابنه من ألمانيا، باتت تساوي فقط 750 ألف ليرة. فهو معتاد على مبلغ 1.500000 ليرة، الذي يعود به إلى المنزل، بعد تصريف المبلغ نفسه كل شهر!.
لم تلحق الحكومة بعد، لتقيم مصانع ومشاريع إنتاج كبيرة، تفسر هذا الارتفاع السريع لليرة أمام الدولار، يتساءل أبو محمد: “كيف يمكن أن ترتفع الليرة، ولا تنخفض الأسعار انسجاماً مع هذا الارتفاع؟”.
وخلال الشهرين الماضيين، قضّ لغز الاضطراب في سعر الليرة، مضجع السوريين. فخلال أيام قليلة، ارتفعت قيمتها من قرابة 11000 ليرة للدولار الواحد، إلى 7500 ليرة للدولار، في حين تقول نشرة البنك المركزي إن السعر هو 13000 ليرة لكل دولار!.
وتبعاً لخبراء الاقتصاد، فإن ارتفاع العملات الوطنية، مرتبط بمشاريع الإنتاج الصناعي والزراعي وحجم التصدير للخارج. لكن أيّاً من هذا لم يحصل في سوريا، ومع ذلك فإن الليرة ترتفع، والأسعار تبقى مرتفعة هي الأخرى، فمن يستطيع حل هذا للغز؟.
ورغم أن وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، باسل عبدالحنان، قال لوسائل الإعلام، إن ارتفاع الليرة أمام الدولار “وهمي”، رابطاً إياها بالمضاربات بين التجار، إلا أن هذا التفسير، لم يكن ليعفي البنك المركزي من ضبط سعر الصرف، أو على الأقل تضييق الفجوة بين السعر الرسمي والسعر الرائج.
التذبذب في سعر الليرة السورية أمام الدولار، ترك أثره الكبير، على العائلات المعتمدة على الحوالات الخارجية، في تأمين مصروفها الشهري، إذ إن هبوط قيمة الدولار بشكل سريع ومفاجىء، مع بقاء الأسعار ملتهبة، جعل تلك العائلات غير قادرة على تأمين متطلبات العيش.
ومنذ سقوط النظام يوم 8 ديسمبر 2024، بات انتشار الصرافين في الساحات، مشهداً مألوفاً. ويظهر من تواصلهم فيما بينهم، أنهم مجموعة واحدة. وقد أخبرنا أحد الأشخاص، عن مشهدٍ لفت انتباهه منذ يومين، عندما رأى جميع الصرافين يتناولون سندويش الغداء في اللحظة نفسها، بساحة المحافظة!.
يربط عمران، بين “تناول الصرافين لطعام الغداء بوقت واحد”، وكلام وزير الاقتصاد باسل عبد الحنان، حول وجود مضاربات بين التجار، أدت إلى هذا الاضطراب بسعر الليرة. ويقول: “من المؤكد أنهم موظفون عند جهة أو تاجر ما”.
نخبر أحد الصرافين، بأن المصرف المركزي، حدد سعر الدولار بـ13000 ليرة، ونسأله لماذا يخفضونه إلى النصف تقريباً. فيطلب منا أن نحاول التصريف من المركزي، إن كان هذا السعر صحيحاً. ويضيف: “لم يصرّف المركزي دولاراً واحداً لأي كان، لا بهذا السعر أو سواه!”.
ويربط الباحث اقتصادي، موضوع ارتفاع قيمة الليرة أمام الدولار، بنقص سيولة العملة السورية في البنوك والسوق. ويضيف: “تحديد البنوك لسقف منخفض للسحب، إضافة إلى التأخير بصرف الرواتب، يؤكد أن السيولة المتوفرة قليلة”.
ترى، كيف يمكن تفسير نقص سيولة العملة السورية؟ وأين ذهبت كميات المال التي يفترض أنها متواجدة في البنك المركزي؟
يذكر الباحث ما أعلنته وزارة الداخلية العراقية، يوم 9 من كانون الأول 2024، حول ضبط 5 مليارات ليرة سورية مخبأة في شاحنة بمحافظة كركوك شمالي البلاد. ويضيف: “على الأرجح تعرض البنك المركزي لعمليات سطو ضخمة، في الساعة الأولى لسقوط النظام”.
كل هذا، يبدو مجرد تفاصيل غير هامة، بالنسبة لعمران فهو يريد مبلغ مليون ونصف ليرة سورية، مقابل الـ100 دولار التي يرسلها ابنه من ألمانيا، وإلا، فلتنخفض الأسعار إلى النصف، مثلما انخفضت قيمة الدولار أمام الليرة!.
لغز اضطراب قيمة الليرة أمام الدولار، فسره مصدر بالمصرف المركزي، لوسائل الإعلام، بالقول، إنه عائد إلى حالة الارتياح العام للأحداث السياسية، إضافة إلى أن الاستيراد ما زال في حدوده الدنيا، إلى جانب تسليم الحوالات الخارجية بالقطع الأجنبي والسماح للمصارف بتمويل المستوردات.
لكن الباحث، يرد على ذلك بالقول: “لماذا إذن، هناك تباين كبير في سعر الصرف بين المركزي، والسوق الموازي؟”. تلك الإشكالية، قال مصدر المصرف المركزي، إنها ستحل عبر ضخ المزيد من السيولة بالليرة، إلى جانب تخفيض السعر بالنشرة الرسمية.
وسبق للمركزي أن قال أيضاً، إن نقص السيولة النقدية بالعملة السورية، يتعلّق بالإجراءات التقييدية للسحب والتحويلات من الحسابات بالمصارف، في عموم البلاد، من أجل التدقيق في حسابات بعض الجهات المرتبطة بالنظام المخلوع.
يتوقع المتابعون لسوق الصرف، أن يرتفع الدولار بشكل سريع، مقابل الليرة السورية، ويقولون إن انخفاضه الوهمي، مؤقت وسينتهي خلال أيام. وهو ما دفع كثيرين لتحويل مدخراتهم نحو الذهب، باعتباره الأكثر استقراراً.
يبدي عمران امتعاضه، ويسألنا: “أين يصرفون هذا الكلام كله؟”، ثم يُخرج، من جيبه، قائمة لأدوية القلب والسكري والضغط، لابد أن يشتريها، ويقول إن البشر لا تستطيع الانتظار حتى “يتلحلح” المركزي ويقرر التدخل بسعر الصرف، فالفقر المدقع، بات يطفح من البيوت!.