لكل السوريين

اللامركزية أحد نماذج الحكم التي يروج لها في سورية المستقبل

إعداد/ انعام إبراهيم نيوف

 

نتيجة أسباب تاريخية وسياسية وجغرافية، أصبحت سورية موطناً لعدد كبير من المكونات المتعايشة جنباً إلى جنب، ما أثر تأثيراً كبيراً في فرص تحسين علاقاتها ببعضها، ولكن بقيت المكونات عملياً، وبغض النظر عن الصورة الكاذبة التي كان يقدمها النظام البائد، في حالة من التفكك والانغلاق على الهوية ما قبل الوطنية، فبقي الشعور الوطني السوري الجامع ضعيفاً.

لا فرصة لاستنساخ تجارب أخرى

لكن طبيعة الجغرافية السورية وتداخل مكوناتها، لا تسمح، بالاسترشاد أو الاستنساخ لنموذج ما، إذ لا يستطيع أيّ مكون الانفصال عن غيره، وبخاصة أنّ المكونات العرقية والدينية والمذهبية في سورية، ليس لها جغرافيا محددة، وليس لها أغلبية بشرية إلا في أماكن محدودة، غير مؤهلة لأن تكون أقاليم فدرالية قائمة بذاتها، لكن الحديث عن فدرالية وديمقراطية لا يستقيم مع وجود فصائل وقوى مهيمنة تفرض سطوتها الأحادية بالقوة المسلحة والعنف، لأنّ هذا سيكون نموذجاً لحزب بعث آخر.

ما يستوجب الانخراط في إنتاج نظرة سورية راهنة إلى القضايا السورية كلها، وما يعنيه هذا من ضرورة الانتقال من الصراع والحروب والفتن إلى الحوار الوطني، الهادف إلى بناء الدولة الوطنية الجديدة، دولة كل مواطنيها المتساوين في الحقوق والواجبات، حوار وطني واسع، يقوم به سوريون أحرار، يمتد ليشمل البلد بأكمله، ويفضي إلى عقد اجتماعي جديد، واستعادة الدولة الوطنية الجديدة، والمجتمع الديمقراطي التعددي، الذي ينظم حياة السوريين بقوانين لا تميّز بينهم، وأنهم بشر متساوون في الحقوق والواجبات، طريق لا يمكن أن تنهض إلا بنقد الماضي المكتظ بكل أنواع الظلم والاضطهاد، والاعتراف بأنّ النظام المركزي بنسخته الشمولية ذهب إلى غير رجعة، وإعلاء شعارات التعايش والتعددية والسلم الأهلي، في وطن متنوع قومياً ودينياً، تصاغ بشكل عادل على قاعدة الديمقراطية ودولة المواطنة..

الحوار السوري الواسع بشأن حدود النظام اللامركزي، أنه يقدم الحل لمشكلة مزمنة هي مشكلة المكونات القومية والدينية ضمن الدولة السورية الواحدة، ويقدم الحل لإشكال الحكم في دولة يصعب قيادتها مركزياً، لكن إذا كان نظام اللامركزية الإدارية الجغرافية يقدم الحل لمشكلة السورية المزمنة، فيستحق من الجميع إعطاء الفرصة له بعيداً عن الشعارات الجاهزة التي تساويه بالتقسيم والخيانة.

واقع جديد بعد الثورة
إن الثورة السورية فرضت علينا واقعاً جديداً، يتمثل بفشل الدولة المركزية السابقة في إدارة سورية، ما يشكل خطراً مستقبلياً على بناء الدولة الجديدة على بقائها بوصفها دولة، ويعرّضها لخطر التقسيم العرقي والديني وهنا نهايتها. بينما اللامركزية ستعطي شعورا أكبر بالحرية لدى السوريين، وسيزيد ترابطهم الوطني، وسيزيد كذلك شعورهم بالمسؤولية تجاه الفساد وضعف الإنتاج والتنمية الشاملة.

فسورية بحاجة لصيغة مناسبة لاتحاد سوري، يطوي صفحة التصورات القومية والمركزية السابقة، يقتضي الأمر أن تكون النخب السياسية جادة في شأنها، وأن تقوم على تفاهم سياسي عريض، وتراعى مقتضيات قيامها من استشارة السكان وتوفير تمثيل فاعل لهم، ومن توفير بيئة أكثر ملاءمة للاتحاد في البلد ككل، وفي المحافظات والمناطق والنواحي والبلدات.

تنوعت مطالب السوريين حيال رؤيتهم لسورية المستقبل واختلفت بحسب الانتماءات السياسية والقومية والمذهبية، فبعضهم أراد دولة علمانية والآخر إسلامية والثالث مواطنة، وبعض الطيف السياسي الكردي انحاز إلى اللامركزية السياسية، وهناك كثير من الوثائق السياسية التي تشبه بعضها في المضمون وتختلف في حواملها، هذه الشعارات جميعها فقدت وزنها وقيمتها مع مرور الزمن، لأن القائمين عليها استخدموها لبث الخلافات بين السوريين، وتجنبوا أو لنقل تهربوا من البحث عن المشتركات والعمل على بلورتها في رؤية وطنية سورية جامعة.

إن عقلية النظام المركزي الاستبدادي انتهت الى غير عودة، وحان الوقت لتغيير تركيبة الحكم الشمولي وآلياته باتجاه اللامركزية السياسية والتخلص من الرقابة والوصاية الجبرية المفروضة من الإدارة المركزية وإنهاء التفرد بالسلطة وفتح الأبواب أمام الأفراد والجماعات القومية والإثنية في المجتمع للمشاركة الديمقراطية في الحكم، وبلوغ الحكم الرشيد، وتحقيق العدالة في توزيع الثروات والموارد.

ثقافة المشاركة والقبول

وللتخلص من ثقافة الاستبداد المجتمعية والانتقال بالمجتمع إلى ثقافة المشاركة وقبول الآخر وممارسة الديمقراطية عن وعي وثقافة والتزام كامل بالأنظمة والقوانين، وتداول طبيعي وسلس للسلطة سواء كانت لامركزية سياسية أم لا مركزية إدارية، ويجب العمل من أجل وجود عقد اجتماعي سوري لا يستثني أحداً، ويكون صالحاً للبناء عليه في تحديد شكل الدولة المقبل.

يجب دعوة كافة الأطراف إلى احترام القوانين الدولية والمحلية لضمان حقوق جميع السوريين بمختلف انتماءاتهم، والعمل على تحقيق سلام مستدام يضمن الأمن والاستقرار لجميع مكونات المجتمع، السوريون بحاجة إلى تعزيز التّماسك الاجتماعي والتقريب بين الهويات والانتماءات ووضعها في إطار وطني عام، مع عدم التّفريط بحقوق ومصالح أيّ مجموعة إثنية أو عرقية لحساب الأغلبية، ويجب ان يقوم الدستور على أساس المواطنة، ولا توضع فيه أيّ محاصصة أو قضايا طائفيّة أو عرقية فالوطن يستوعب الجميع.