لكل السوريين

حول المسار الإبراهيمي 3 من 3-

إعداد انعام إبراهيم نيوف

 

إن الدعوة الإبراهيمية لم تكن بعيدة عن السياسة ومراميها، ولا منفصلة عن مؤسساتها ومخططاتها، وخدمة مشاريعِها، وحضورها في زواريب السياسة ودهاليزِها، وبجذورها العقائدية والدينية.

ومنذ الإعلان عن اتفاقية التطبيع الإماراتي البحريني مع الكيان الصهيوني المحتل، لازالت تتكرر الابراهيمية على ألسنة جميع الأطراف، وسماه الرئيس الأمريكي السابق ترامب: اتفاق إبراهيم.

واثناء التوقيع على اتفاق كامب ديفيد، اتفاق التطبيع بين إسرائيل ومصر في 1978 و1979، قال الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر: دعونا نتركِ الحرب جانبا، دعونا الآن نكافئ كل أبناءِ إبراهيم المتعطشين إلى اتفاق سلام شامل في الشرق الأوسط، دعونا الآن نستمتع بتجربة أن نكون آدميين بالكامل، وجيرانا بالكامل، وحتى إخوة وأخوات.

واثناء توقيع اتفاقيات أوسلو في سنة 1993 بين ياسر عرفات وإسحاق رابين، قال الرئيس الأمريكي بيل كلينتون: لأجل هؤلاء يجب أن نحقق نبوءة إشعياء بأن صرخة العنف لن تسمع في أرضكم، ولن تصنع الدمار والخرابَ داخل حدودكم، إن أبناء إبراهيم، أي نسل إسحاق وإسماعيل، انخرطوا معا في رحلة جريئة، واليوم مع بعضنا بكل قلوبنا وأرواحنا، نقدم لهم السلام.

خلال التوقيع على اتفاقية التطبيع بين إسرائيل والأردن في سنة 1994، قال الرئيس كلينتون: في فجر هذا السلام لهذا الجيل، في هذا المكان القديم نحتفل بالتاريخ، وبإيمان الأردنيين والإسرائيليين، واستشهد كلينتون حينها ببعض المقاطع من القرآن والكتب اليهودية المقدسة، وقال الملك حسين الأردني، في خطابه: سوف نتذكر هذا اليومَ طيلة حياتنا لأجل أجيال المستقبل من الأردنيين والإسرائيليين والعرب والفلسطينيين، كل أبناء إبراهيم.

وعندما تدهورت العلاقات بين الملك حسين ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في سنة 1997، كتب له ملك الأردن رسالة: إن أسوأ حقيقة جعلتني أَحزن هي أنني لا أجدك إلى جانبي في العمل لتحقيق إرادة الله للمصالحة النهائية، لكل نسل أبناء إبراهيم.

وكان الرئيس المصري أنور السادات ممن يتبنى الإبراهيمية، ويرددها في أحاديثه، ويتكلم عن أُخوة العرب واليهود لأنهم أبناء إبراهيم، ويدعو إلى ضرورة الصلح بينهم، وقرر إنشاء مجمعٍ للأديان في سيناء.

ولتوظيف الإبراهيمية برز في الأفق مصطلح الدبلوماسية الروحية، الذي تبناه الغرب وأمريكا، ويعتبر مسار للتفاوض، يستهدف حل النزاع أو منع وقوعه، ببناء سلام ديني عالمي، يجمع القادة الروحيين والسياسيين للحوار حول القضايا الحساسة بدلا من الصراع والحروب، والسعي الى التقارب الأديان السماوية الثلاثة (الإسلام ـ المسيحية ـ اليهودية)، أو ما يسمى بالديانات الإبراهيمية، أو (الدين الإبراهيمي ـ الدين العالمي الواحد)، والقضاء على الاختلافات وبناء التوافقات والاتفاقات، والترجمة بالخدمات الملموسة للبشر وشعوب المنطقة، من اجل ان يصير الولاء المطلق للدين الإبراهيمي، ويتم نقله للخريطة السياسية، لأن هذا المسار سيكون مركز صنعِ القرار السياسي بالعالم، بهدف خلق السلام الديني العالمي، ومن الأمور الخطيرة أن الإبراهيمية هي المرجعية التي ترتكز عليها الدبلوماسية الروحية، وتقوم على التنسيق والجمع بين القيادات السياسية والروحية.

إن الدبلوماسية الروحية هدفها المعلن هو تحقيق السلام العالمي، وحل النزاعات، وتحقيق التنميةِ المستدامة، عبر مكافحة الفقر ومسبباته، والاضطلاعِ بخدمات ومشروعات تنموية تكرس الولاء للفكر الجديد، لكن غرضها الحقيقي تحقيق المصالح الغربية الصهيونية، وتدمير الأديان السماوية، خاصة الإسلام والمسيحية، وإضاعة الحقوق، وتزييف التاريخ، وتغيير الواقع، لصالح المخططات الصهيونية.

بل إن مصطلح الإبراهيمية ليس مصطلحا إسلاميا، ولا متداولا، ومضمونه مناقض لنصوص الشريعة الإسلامية ومقاصدها، وليس له أصل في الشرع، ويتسم بالبريق، والإغراءِ الكامن في استغلال الاسمِ النبوي الكريم، ورمزية ومكانة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، والخداعِ المخفي بالحديث عن المشترك الإبراهيمي، الذي يخفي حقيقة المشروعات والتوجهات الخطيرة لعنوان ظاهِره يلمع بالرحمة، وباطنه يطفح بالهلاك، وتقف وراء الديانة الإبراهيمية الجديدة مراكز بحثية ضخمة وغامضة منتشرة في العالم، وتسمى مراكز الدبلوماسية الروحية، وتمول من: الاتحاد الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والولايات المتحدة الأميركية.

وعربيا أصبح تبني الإبراهيمية علنا، بدعم مالي وبشري وإعلامي، وتقيم الفعاليات والمشروعات المتنوعة، للترويج للإبراهيمية، وتكريسها في أرض الواقع، وتستجلب عددا غير قليل من العلماء والدعاة، وتغريهم بالانخراط في نشر وتثبيت الدعوة إلى الإبراهيمية، وتجنيدهم لخدمة هذا المشروع الخطير، لا سيما تلك الدول التي بدأت بالتطبيع مع إسرائيل.

أنّ بريق المصطلحِ واعتياده يخفي المشاريع الهدامة، ويغدو المعارض لذلك الوجه القبيح غريبا بين الناس، ففي طياتها معان جميلة مقبولة، مثل التعايش، والسلام، ولكن استعمال تلك المعاني التي لا تتعارض مع الإسلام والمسيحية في الجوهر، انما ستار للحقيقة المرادة، التي تتمثل بتمزيق مكوِنات وروابطِ الهوية الوطنية لدول المنطقة، وبالتالي تيسير السيطرة والتحكم بها وبشعوبِها لصالح إسرائيل، وتنطوي المخاطر السياسية على توجهات خطرة، وخاصة قضية احتلال بيت المقدس، في إطار مخطط إسرائيل الكبرى، على أساس الدين، أو إدخاله في السياسة، والتوسل به إلى حل قضايا الصراع في العالم، باختلاق دينٍ جديد، ومصطلحات ومشروعات، مثل: “السلام الإبراهيميّ”، “السلام الدينيّ العالميّ”، “مسار إبراهيم”،” الولايات المتحدة الإبراهيمية”، “القدس المدينة الإبراهيمية”، “الدبلوماسية الروحية”.

إن الإبراهيمية وما يتفرع منها، من شأنها أن تجعل وجود اليهود في منطقة الشرق الأوسط أمرا مقبولا وطبيعيا، وتخرج الصراعَ بالمنطقة من دائرة كونه احتلالا واغتصابا إسرائيليا بالقوة لأرض فلسطين، إلى كونه نزاعا بين أبناء عائلة واحدة، وهذا يتطلب إعادة تعريف الصراع وانه ليس صراعا سياسيا ولا دينيا ولا تاريخيا.

إننا أمام صورة ماكرة من صور القوة الناعمة، التي تقوم على محاولة الوصول إلى تحقيق الأهداف عن طريق نشر الأفكار، وتهيئة البيئة فكريا ونفسيا، وإيجاد ثقافات وقناعات، وتخدم مخططات إسرائيل، معتمدين على الاستغلال السياسي للدين، وباطلة الدعوة إلى الوحدة المزعومة بين الأديان، وباطل اختراعَ دين واشتماله على طقوس أو تشريعات مخترعة، مثل تلك الصلاة المشتركة بين أتباع الأديان، وهي وسيلة استغلها الغرب وأمريكا لخدمة أهدافهم، وتحقيق مصالحهم على حساب مصالح شعوب المنطقة وحقوقهم المشروعة، ولضمان أمن وتفوق حلفائهم الصهاينة، وإضاعة الحق في فلسطين، وإتمام غرس وتثبيت الكيان الصهيوني الغاصب في المشرق الإسلامي، وتغليفه بغلاف ديني.

 

 

المصادر والمراجع:

 

  1. ما وراء “اتفاقية إبراهيم”.. أرقام ومواقف وبيانات، تقرير منشور بموقع ار تي العربية بتاريخ 14/8/2020‏، وقد نُشِر الخبر في وسائل الإعلام العالمية والمحلية.
  2. الإبراهيميون والعدم، السيرة الخفية للاستخلاف، دراسة للدكتور فتحي المسكيني، نقلا عن مراجع أجنبية، منشورة بتاريخ 3 يوليو 2018، موقع مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث.
  3. الإبراهيمية اختراع صهيوني للسيطرة على الشرق الأوسط، مصطفى محمد علي، منشور بموقع إضاءات، بتاريخ 6/9/2020.
  4. الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي: اتفاق إبراهيم أم استعمار إسرائيليّ؟ د. جوزيف مسعد، أستاذ سياسة العرب الحديثة وتاريخ الأفكار بجامعة كولومبيا في نيويورك، موقع نون بوست.
  5. الدبلوماسية الروحية: مسار جديد ومخاطر كامنة وسياسات بديلة لصانع القرار، د. هبة جمال الدين، مجلة مستقبل التربية العربية، منشور في موقع “الوطن” الإلكتروني.
  6. الإبراهيمية الجديدة.. وخدعة التسامح، د. نعيمة عبد الجواد، موقع ميدل آيست
  7. “الترويج للديانة “الإبراهيمية” في زمن التطبيع.. ما وراءه؟ بسام ناصر، والكلام للكاتب اليمنيّ “عبد الله القيسي”، موقع عربي 21.
  8. الإبراهيمية بين التعايش والسيطرة، هاني رمضان طالب
  9. 8 أسئلة تشرح لك ما هي «صفقة القرن» ؟، تقرير موثَّق منشور بموقع ساسة بوست، الفكرة الإبراهيمية”: من التطبيع إلى التهويد. راغدة عسيران.
  10. مجلس الإفتاء الأعلى يحذر من خطورة الدعوة لما يسمى بالديانة الإبراهيمية، موقع وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”.
  11. مشروع “الولايات المتحدة الإبراهيمية”، أليف صباغ، منشور بموقع الميادين نت، بتاريخ 25 سبتمبر 2020.