لكل السوريين

شاب من ريف حلب يروي قصته الغريبة.. كسرٌ أدى لبتر ساقه

فقد ساقه في مرحلة الصبا عندما كان يحلم أن يصبح لاعباً لكرة القدم، باختصار تلك هي إحدى قصص المتضررين من الحرب وظروفها بشكل أو بآخر في مدينة حلب، لأن ضحايا الحرب كما يبدو هنا لا يقتصرون على قتلى ومصابي القصف والقذائف، بل إن معظم السكان يدفعون ضريبتها من حياتهم وصحتهم.

محمد حميد العيس، البالغ من العمر ١٦ عاماً والمنحدر من منطقة “منق”، فقد ساقه بعد إصابة ربما كانت خفيفة لو توفرت ظروف مناسبة للعلاج، أو لو تمكنت عائلته في وقت مبكر من إجراء عملية جراحية له خارج البلاد.

يقف محمد الآن أمام مدرسته التي كانت مصدر قوة له من ناحية التعليم وبناء الصداقات، ” لكن أنا الآن غريب عن مدرستي، أصبحت غير قادر على الركض فيها، بينما كنت الأول في الركض سابقاً”.

كانت عائلة العيس تسكن في منطقة منق/ منغ في الريف الشمالي لمدينة حلب قبل سنوات الحرب في سوريا، واضطرت للنزوح بداية العام ٢٠١٤ بسبب القصف العنيف والعشوائي للطائرات الروسية والسورية  على المنطقة والذي أدى لتدمير منزلهم في البلدة.

وعاش سكان مدينة حلب وأريافها، كما كل سكان سوريا، في ظروف صعبة وقاسية خلال السنوات الماضية، ما جعلهم يتنقلون من مكان لآخر هاربين من القصف المتبادل بين فضائل المعارضة المدعومة تركياً من جانب والقوات الحكومية والطائرات الروسية من جانب آخر، حيث نزح الآلاف من سكان أرياف حلب لمناطق مجاورة أو بعيدة وسط تراجع لوضعهم المعيشي.

كان محمد في التاسعة من عمره، حينها ورغم مآسي الحرب التي جرت من حوله ومعاناة النزوح التي مر بها مع عائلته، إلا أنه كان يحتفظ بآمال تخص مستقبله في المدرسة وملاعب كرة القدم التي كان يحلم بها.

قصدت العائلة المكونة من أم وخمسة شباب وفتاة وحيدة، تتراوح أعمارهم ما بين ١٠سنوات و٢٣ عاماً، مدينة حلب ليقضي أفرادها عدة أيام في الحدائق العامة وسط عدم وجود منزل يحتضنهم، إلى أن تمكنوا من توفير قبو بحي السريان القديم في المدينة، بعد أن سمح لهم صاحبها بالإقامة فيه كمأوى.

وسط الظروف المعيشية الصعبة للعائلة في العام 2018، وحين كانت الاشتباكات وتبادل القصف في أوجه في أرياف حلب وبعض أحيائها، أصيب محمد حميد العيس بكسر في ساقه اليمنى إثر وقوعه وهو يلعب مع أصدقائه بكرة القدم في آذار/ مارس من ذلك العام.

وعلى الرغم من تجبير ساقه، لكن ولدى مراجعة الطبيب المعالج بعد خمسة أشهر، علمت عائلة محمد بوجود كتلة في عظم ساقه، تبين بعد استكمال الفحوصات أنها كتلة سرطانية.

في هذه الأثناء حذر الطبيب العائلة من أن عدم استكمال المعالجة وإجراء عملية جراحية سيؤدي إلى فقدان الطفل لساقه، إلا أن الظروف المعيشية الصعبة للعائلة أجبرتها على إهمال العلاج، بل إنها لم تؤمن وصفات الدواء التي أكد عليها الطبيب، ما جعل حياة الطفل تتحول لقلق دائم، حسب ما وصف حالته في ذلك الوقت.

تحاول وفاء عزوز، والدة محمد، أن تشرح “كانت ظروفنا المعيشية صعبة جداً منذ نزوحنا من منغ، أجبر اثنان من أبنائي على ترك الجامعة والعمل معي، بعد أن اضطر الابنان الآخران للالتحاق بالخدمة الإلزامية في صفوف القوات الحكومية”.

وفي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2019، دخل محمد غرفة العمليات، لكن لإجراء بتر في ساقه اليمنى، كي يتمكن الأطباء من إيقاف انتشار السرطان بجسده وإنقاذ حياته بأقل خسائر.

بعد العملية، كان الأطباء راضين باستئصال الورم، والعائلة راضية بقدرها، إلا أن ابنها المقبل على ريعان شبابه، والذي لم يكن على علم بطبيعة العملية الجراحية، فوجئ بما فقده، ” كنت لا أزال أحلم بقدمي التي كانت ستجعلني من أبرز اللاعبين في فريق كرة القدم في المدرسة”.

تتحسر الأم على مستقبل ابنها، فهي تصف وضعه الدراسي “كان من أشطر التلاميذ في المدرسة، وملهماً جداً في لعبة كرة القدم التي بسببها فقد ساقه”.

لم يتمكن محمد من ارتياد مدرسته بعد العملية التي أنقذت حياته، لكنها أفقدته حلم ” نجم فريق كرة القدم بالمدرسة”، وشكلت الصدمة التي تعرض لها إثر استيقاظه من البنج بعد العملية عاملاً إضافياً في عزوفه عن التوجه للمدرسة مجدداً، حسب ما تحدثت والدته لـ”نورث برس”.

يقول محمد العيس إن الصدمة الأولى في حياته كانت كبيرة، في إشارة إلى فقدان ساقه تدريجياً لحين موعد العملية الأخيرة التي شكلت ذروة صدمته، “لن أنساها طوال حياتي، أشعر أن أيامي التي تمر الآن هي حلم وأن ساقي ستعود يوماً ما كما كانت في السابق، لأكمل دراستي”.

وتضيف والدته أن ظروفهم المعيشية الصعبة كانت السبب الوحيد لبتر ساق ابنها، وأن المشفى الحكومي بحلب لم يستطع إنقاذ ساقه، حتى أنه غير قادر على تأمين طرف اصطناعي له “كان يوجد أمل وحيد بأن نقوم بإرساله خارج سوريا ومعالجته في مشفى خاص وليس المشفى الحكومي الذي لم يكن قادراً على التعامل مع حالته”.

يقول محمد إنه يأمل بتركيب طرف صناعية من أجل الذهاب إلى المدرسة مجدداً،” كان حلمي سابقاً أن أصبح ضابطاً، لكن الآن أتمنى أن أصبح طبيب عظمية لأتمكن من معالجة الحالات المشابهة لحالتي والوقوف بجانبهم”.

 نورث برس