لكل السوريين

حول عالم اللباس التقليدي في الساحل السوري

إعداد أنعام إبراهيم نيوف

في عالم حقوق الإنسان، قد يبدو الحق في ارتداء الملابس الجيدة مجرد اعتبار ثانوي مقارنة بالقضايا الأوسع نطاقا مثل الحياة والحرية والأمن، إلا أن جودة الملابس والكرامة التي تمنحها للأفراد تشكل مكونات مهمة لمستوى معيشي لائق، تعتبر الملابس التي تضمن الحد الأدنى من المظهر الجيد ضرورة إنسانية أساسية، حيث توفر الحماية من العناصر البيئية وتساهم في الكرامة الشخصية والمكانة الاجتماعية، ويمكن للملابس المصنوعة جيدا أن تعزز احترام الذات والمكانة الاجتماعية، وتعزز الشعور بالفخر والانتماء، وفي العديد من الثقافات ترتبط جودة وأسلوب الملابس ارتباطا وثيقا بالهوية الوطنية، إن الفعل البسيط المتمثل في ضمان الحصول على الملابس الجيدة بمثابة بيان عميق حول قيم المجتمع والصورة التي يرسمونها لدى الآخرين.

يعتبر اللباس اليومي لأي مجتمع عنوانه وأحد أركان هويته التي يتميز بها، ولكن هذا اللباس يتأثر بالزمن ويتطور مع تطور المجتمعات، لباس أهل الساحل السوري جزء من تاريخ أبنائه وهو كذلك أحد الألوان جميلة المرسومة في لوحة التراث السوري، ويشكل اللباس الشعبي في الساحل السوري مزيجا من أزياء الحضارات المختلفة التي تعاقبت على منطقة الساحل وعلى امتداد تاريخه الطويل من الفينيقيين إلى الكنعانيين والآراميين إلى وقتنا الحالي وعادة ما كان اللباس يصنع من المواد المتوافرة في البيئة المحلية كالقطن والحرير والصوف باستخدام الأنوال اليدوية التي كانت تنتشر في القرى وتسد حاجة أهلها.

يمكن تصنيف اللباس التقليدي في الساحل السوري وفق ما يلي:

الزي التقليدي القديم للرجل في الساحل السوري:

القطع التي يتم ارتداؤها على الرأس: العرقية (الطاقية) – الحطة (الشملة) – العقال.

القطع التي يتم ارتداؤها على الجسم: القمباز – الدامر- الصديري – الساكو – السروال – الشروال.

الزي التقليدي القديم للمرأة في الساحل السوري:

القطع التي يتم ارتداؤها على الرأس: المنديل (المسلوبة) وهو من الحرير – الطريبوشة.

القطع التي يتم ارتداؤها على الجسم: سروال – الثوب (الفستان)- المنتيان – الزنار.

اختار اهل الريف الساحلي في حياتهم التقليدية البسة تتلاءم وطبيعة المناخ والطقس الى جانب العمل الزراعي الذي يتطلب لباسا يساعد الفلاح على العمل في الارض لساعات طويلة دون أن يخلو من الذوق الجمالي الذي يفصح عنه التنوع الكبير في هذه الألبسة وثراء مفرداتها في كل من زي الرجل والمرأة والطفل.

لباس الرجل كان يتكون بشكل اساسي من القمباز وهو رداء خارجي طويل لونه ابيض يلبس بدلا من البنطلون وله عدة أشكال حيث يتسع في منطقة السرج يصل إلى الكاحلين مع فتحتين جانبيتين لتسهيل حركة المشي وله أكمام تتسع قليلا عند النهايتين وتزين رقبته وصدره وأطراف اكمامه بنوع من البريم الحريري وكانت أشهر أنواعه ما يسمى بالأغباني كروزا وهو عبارة عن قماش أصفر مطرز بالكامل.

ودرجت العادة ان يرتدي القمباز الحريري الرجال ميسورو الحال وذلك بسبب غلاء ثمنه أما الرجال من الطبقة الوسطى من الناحية المادية فكانوا في الغالب يرتدون القمباز المصنوع من القطن الممزوج بالحرير ذي الخطوط المقلمة الناعمة وغالبا ما يلبس فوق القمباز الدامر أو القطيشة وهي عبارة عن عباءة قصيرة مقلمة بخطوط عريضة تصنع من شعر الماعز والصوف البني أو الابيض أو الاسود ويصل إلى الركبتين فقط كي لا يعيق الحركة لدى العمل الزراعي وكان اشهر انواعه يسمى بالديرمامية، حيث كانت تصنع افضل انواع الدامر وكان البعض من اهل الساحل من يستعيض عن القطيشة برداء اخر يسمى الساكو وفي فصل الشتاء يلاحظ ارتداء الدامر من قبل الرجال والنساء ويستخدم للدفء.

كما أن قميصا قطنيا طويلا كان يلبس عادة تحت القمباز ويسمى السروال وهو لباس ابيض يصل الى الكاحل عادة ما يكون فضفاضا من الاعلى ويقل عرضه من الركبة نزولا الى القدم وكانت هذه الالبسة الداخلية المريحة والمصنوعة من القطن الخام غير المصبوغ تستخدم للنوم ايضا او الجلوس في المنزل.

بعض أهل الريف بالساحل  السوري والجبل كانوا يستعيضون عن ارتداء القمباز بلباس اخر يسمى الشروال (السروال الطرابلسي ) وهو عبارة عن رداء كثير الثنيات عند الخصر ويلتف بضيق حول القدمين كذلك كان يحاط الخصر بزنار عريض من قماش ملون ذي خطوط زاهية الألوان أو آخر من الصوف خلال فصل الشتاء ومنهم من كان يستخدم نطاقا او زنارا قماشيا او جلديا عريضا له عدة جيوب لوضع حاجياته الخاصة فيه مثل المفاتيح او النقود وغيرها وفوق الشروال يلبس ما يسمى بالصديري القصير الذي يصل طوله الى الزنار ويحاذيه وهو رداء بدون اكمام وله جيب صغير على الصدر لوضع النقود أو الساعة ويلبس تحته قميص من دون ياقة تزين فتحته ورقبته بنوع من البريم المطرز.

إن لباس اهل الساحل مثل كل البيئات الاخرى كان يتناسب مع المكانة الاجتماعية والحالة المادية للفرد فكان الشيخ في الريف الساحلي يرتدي العمامة والشخص العادي يلبس العقال والكوفية البيضاء أو السوداء التي تعلو طاقية من القطن الأبيض المخرم حيث اعتادت النسوة على تثقيبها بواسطة ريشة القنفذ لتحاك بعدها بواسطة الابرة أو تشغل بواسطة الصنارة بأشكال جميلة.

عادة ما كان يلبس فوق الطاقية أو الكوفية أو الحطة العقال الاسود ويسمى البريم حيث يختلف في سماكته وثخانته بين منطقة وأخرى كما تختلف نوعية العقال الذي يرتديه اهل القرية كل حسب مقدراته اذ اعتاد الميسورون على لباس الحطة الكسروانية المقصبة والمصنوعة من الحرير الأسود وتنتهي بشراشيب حريرية مفضفضة وبعضهم كان يرتدي فوق الحطة البيضاء العقال المقصب والمزين بخيوط ذهبية وأشهر أنواعه يسمى المرعز المصنوع من شعر الماعز الناعم.

أما الزي الشعبي للمرأة الساحلية فأهم ما كانت ترتديه المرأة هو المسلوبة وهو منديل حريري يغطي الرأس وتنتهي اطرافه بزخرفات مزركشات جميلة، ويعد الثوب أو الفستان اللباس الأساسي للمرأة وهو رداء طويل حتى الكاحلين له أكمام طويلة وياقة عالية تطوق الرقبة وقصة تعلو الخصر تتسم بكثرة زمزماتها ما يجعل الثوب يتسع أكثر وينساب منتهيا بـ كشكش يزينه الز كزاك أو البريم أو الزخارف ويتمتع هذا الثوب عادة بألوان زاهية تشبه إلى حد بعيد ألوان الطبيعة الساحلية.

وعادة ما كانت النسوة يلبسن تحته قميصا قطنيا بأكمام طويلة تزين صدره وأكمامه رسوم أو زخارف زاهية تضعها المرأة بنفسها في أوقات الفراغ ومع القميص سروال طويل فضفاض مزموم عند الكاحلين وكان لونه في منطقة الساحل أحمر يصنع من الحرير الأطلس للعرائس وميسورات الحال ومن القطن للنسوة الفقيرات ومتوسطات الحال، كما أن لباس المرأة قد تضمن ما يسمى بالمنتيان وهو جاكيت قصير ينتهي أعلى الخصر ويكون ضيقا يلتقي طرفاه في الأمام بواسطة أزرار صغيرة متقاربة لا تصل إلى الأعلى ويصنع باستخدام الحرير أو المخمل المرصع الذي يسمى دق الليرة أما العادي منه فيصنع من قماش قطني بسيط تقوم المرأة بزخرفته بخيوط حريرية ذهبية وملونة.

وهناك الزنار الذي يصنع غالبا من الحرير الخالص وهو زاهي الألوان عريض ومتطاول ينتهي بشراشيب مبرومة رقيقة تترك متدلية بعد لفه على الخصر ومنه ما يصنع من الحرير الممزوج بالقطن تقليلا لتكلفته المادية وكليهما يستخدم لضم ثياب المرأة الفضفاضة ومنحها الدفء شتاء والمزيد من جمالية اللباس كما أنه يستخدم على نطاق واسع من قبل النسوة لوضع بعض الحاجيات الشخصية فيه.

أما غطاء الرأس للمرأة فكان يسمى في الريف الساحلي طريبوشه تصغيرا لكلمة طربوش أو السربوس في الأصل الفارسي للكلمة وهي عبارة عن قبعة صغيرة حمراء مصنوعة من الجوخ السميك ويوضع أعلى الطربوش الكفية وهي عبارة عن قطعة مربعة الشكل من الحرير الأسود المقصب بخيوط الفضة أو الذهب حسب المستوى الاجتماعي وعادة ما تطوى هذه الكفية عدة طيات وتلف على الطريبوشة لتثبيتها على الرأس وتلبس المرأة في الأفراح الكفية المقصبة والملونة والموشاة بالخيوط الذهبية في حين تلبس الحزانى الكفيات السود فقط.

أما فستان العروس قديما كان لونه يميل الى الدفلي وهو مأخوذ من لوت التراب وذلك كرمز للارتباط بالأرض والبيئة وهو مؤكد من خلال الاغنيات الشعبية في بداية الأربعينيات والآن أصبح اللون الابيض هو السائد، ومع استعمال الشرائط التي تلف على الشعر وتشكل الضفيرة وفي نهاية الخمسينيات اضيف غطاء الوجه الابيض الشفاف.

يعتبر اللباس الشعبي في الساحل السوري خليطا من ارث عدة حضارات من الفينيقيين إلى الكنعانيين والآراميين والفرس واليونان والأتراك، اختار أهل الريف الساحلي في حياتهم التقليدية ألبسة تتلاءم وطبيعة المناخ والطقس إلى جانب العمل الزراعي، وإن لباس أهل الساحل مثل كل البيئات الأخرى كان يتناسب مع المكانة الاجتماعية والحالة المادية للفرد فكان الشيخ في الريف الساحلي يرتدي العمامة ، والشخص العادي يلبس (العقال) و(الكفية )البيضاء أو السوداء التي تعلو طاقية من القطن الأبيض المخرم اعتادت النسوة على تثقيبها بواسطة ريشة القنفذ لتحاك بعدها بواسطة الإبرة أو تشغل بواسطة السنارة بأشكال جميلة.

تعدُّ الأزياء الشعبية في الساحل السوري جزءا من التراث المادي للمنطقة، الذي شهد تطورات عدة في مراحل امتدت لمئات من السنين، كما عبر اللباس عن مدى انسجام الإنسان مع بيئته، وخصوصا في الريف حيث تتشابه الأزياء التقليدية الخاصة عند كل من الرجل والمرأة، أما الاختلاف فذلك الذي فرضته طبيعة كل منطقة ومناخها والخامات المتوافرة فيها، إذ ارتبطت بعض الألبسة بحرفٍ عمل بها معظم أهالي الريف وكانت تشكل مصدر دخلهم الرئيسي، من أبرزها صناعة الحرير وغزل الصوف ودباغة الجلود.

أما الطربوش صار في منتصف القرن العشرين واحدا من مفردات الزي الشعبي في الساحل السوري في أعقاب الاحتلال العثماني للمنطقة، وصار كل شخص يضع عليه لفات مختلفة حسب مكانته الاجتماعية فبعض رجال الدين كانوا يلبسون الطربوش بعد لفه بقماش أغباني أصفر مطرز، وكان الرجال المسنون يرتدون الطربوش المصري القصير وآخرون فضلوا طربوشا قصيرا كطربوش المغاربة وحوله لفة سوداء مقصبة.

وبالنسبة للزي الشعبي للمرأة فقد روعي في لباسها الحشمة واتساع الملابس لسهولة الحركة وعدم إعاقة عملها داخل المنزل وخارجه ويعد الثوب أو الفستان اللباس الأساسي للمرأة وهو رداء طويل حتى الكاحلين له أكمام طويلة وياقة عالية تطوق الرقبة وقصة تعلو الخصر تتسم بكثرة زمزماتها، ما يجعل الثوب يتسع أكثر وينساب منتهيا بكشكش يزينه الز كزاك أو البريم أو الزخارف ويتمتع هذا الثوب عادة بألوان عرض أقل، أن اللباس القديم تميز بكونه فضفاضا ومحتشما ومتنوع الألوان، وكان الاختلاف في شكل اللباس بسيطا بين منطقة وأخرى، يقسم الزي التراثي إلى عدة أنماط لكل منها عدة نماذج، كان للباس الشابة نموذجان، الأول يتكون من غطاء للرأس يسمى المنديل، ويصنع من الحرير الطبيعي، أيضا الفستان الطويل وله زمة خصر وحزام يثبت عليها، وعلى جانبي الفستان وأسفله كشكش، وتحته ترتدي الشابة ما يسمى محليا بالسملوقة، وهي بيجاما في أسفلها ثلاثة انثناءات، وكما أن للباس الشابة نموذجين، كذلك لباس السيدات، ففي النموذج الأول نرى الفستان المزركش كثير الألوان، مزموم الخصر مع حزام من الحرير أو القماش المزين بالخيوط الذهبية، يقال له بالعامية: زنار مقصب، أما في النموذج الثاني فالفستان مزركش أيضا، يتكون من عدة طبقات عند الخصر مرتبة بشكل متتال، وحزام ثابت على الخصر يتدلى من أحد جوانبه، وعلى الجانب الآخر يربط الحزام بـما يسمى إشارب وهو ملون ويتدلى بالطرف المقابل للحزام، أما السيدات كبيرات السن فلهن أيضا لباسهن الخاص وهو عبارة عن منديل الحرير، والفستان الملون تحته السملوقة، وهي مختلفة عن تلك التي في لباس الشابات والسيدات، كونها مزمومه بشكل دائري، وليست على طريقة الكشكش، بالإضافة إلى الجاكيت الطرابلسية، وسميت طرابلسية كونها كانت تصنع في طرابلس.

وللعروس الساحلية قديما لباسها الخاص الذي كان يصنع من المخمل أو الحرير، وبعد أن تلبس العروس غطاء الرأس تضع ما يسمى الجلوة فوق الفستان، أما جهازها فكان عبارة عن الكردان وهو عقد مؤلف من ثلاث طبقات، والأساور والخروص أي الحَلق الذي يوضع في الأذن، إضافة إلى الخاتم وما يعرف بالناطور الذي يوضع على الجبين، ومن أساسيات جهازها فستان ردة الرجل، أي الفستان الخاص بعودة العروس لزيارة أهلها بعد مرور فترة معينة على زواجها.