لكل السوريين

الإرادة تصنع المستحيل.. والإعاقة لا تعيق الحياة العملية

تقرير/ خالد الحسين

بخطى هادئة ومتكأ على عصاه البلاستيكية يمشي “أبو أحمد” وهو من أهالي مدينة حلب تعرض لحادث فقد على أثره البصر وقدمه اليمنى واستبدلها الأطباء له بطرف صناعي وفي حديث مع السوري يروي يومياته حاليا وسط الظروف المعيشية الصعبة.

لم يخطط أبو أحمد الذي كان يعمل فيما مضى موظفا في إحدى الدوائر الحكومية في حلب أن تتبدل حياته الوظيفية وتكون مواد المونة والتوابل معيلا له ولعائلته في يوم ما، ولكن حصل مالم يكن في الحسبان وانقلبت حياته مئة وثمانين درجة كما حياة الكثيرين في حلب ممن عاصروا الحرب السورية.

في محاولة للاقتراب من حياته العملية قال: إثر تعرضي لحادث أليم خلال سنوات الحرب فقدت بصري كما فقدت قدمي اليمنى إذ تم حينها إجراء عملية جراحية بترت فيها الساق اليمنى مما اضطرني لتركيب طرف صناعي يعينني على المشي ، ولم أملك بعد أن أيقنت أني  أصبحت من ذوي الاحتياجات الخاصة ودون عمل بعد أن تسرحت صحيا من وظيفتي إلا أن اتخذ خطوة جريئة بأن أحول عجزي إلى رخصة للبيع فكان ما ترونه من عمل “كبائع متجول”، إذ أني أبيع كل ما يحتاجه البيت الحلبي من مونه كال “دبس بندورة، ودبس فليفلة، الملوخية،  والنعناع” وغيرها من الأطعمة  التي يتم صناعتها يدويا ، أما التوابل والبهارات فأني أقوم بتبضعها من محلات الجملة ومن ثم أبيعها.

وفي موعد أشبه بالدوام الرسمي يستيقظ أبو أحمد منذ ساعات الصباح الباكر يجهز بضاعته من مواد المونة والتوابل ليضعها في أكياس بلاستيكية ويحملها على كتفيه معتمدا على عكازه الحديدي ليبصر الطريق ويسير ببصيرته دون كلل أو ملل أو تعب في الأحياء والشوارع قاطعا المسافات الطويلة معلنا بكلماته هذه (في عنا مواد للمونة – توابل- بهارات) انطلاق رحلة عمله اليومي الشاق مشيا على الأقدام.

يقول أبو أحمد: “الذي يريد أن يعيش ويؤمن لقمة أولاده لازم يتعب ويشقى” فلا مكان في هذا الزمن لمن يندب الحظ ويأسف على الذي حدث، كان ينبغي أن أعمل أن أكون منشغلا حتى لا يهزمني اليأس، في كل يوم أقطع الدروب وأطوف الحارات متلمسا بعصاي طريقي وأروج بصوتي لبضاعتي وأحاول أن أرتاح هنا وهناك ولا أمانع من طلب المساعدة من المارة لإرشادي وتوجيهي ومع تقدم ساعات النهار وازدياد المارة تكون ضارة الزحام نافعة لي ليزداد الطلب على ما أحمل من بضاعة وأحظى ببيع بعض ما يؤمن لي ولعائلتي قوت يومنا.

هذا ما كان من حكاية البائع المتجول في عجاله فإن صادفته يوما ما في مناطق، العبارة، الجميلية، شارع بارون، ساحة سعدالله الجابري، بالقرب من الفندق السياحي، أجبر بخاطره واشتري منه، ولا بأس عليك إن باغتك عقلك واستدعى الألم والمرارة المتوارية في ركن خفي من كيانك لتتوحد مع معاناته وتشعر بالفخر وأنت تلحظه بما يحمل من عجز قوي لا ضعيف لتروي قصة عن قيمة العمل الشريف مهما كان بسيطا، ووجه آخر من وجوه الإرادة والثبات بالرغم مما يكتنف حياتنا من انكسارات معيشية ونفسية.