لكل السوريين

حول الجغرافية السياسية

إعداد أنعام ابراهيم نيوف

تأتى أهمية الجغرافيا السياسية في كونها استطاعت أن تفسر بدقة أغلب كليات وجزئيات حركة التاريخ. ابتداء من القرن العشرين قبل الميلاد وحتى القرن الواحد العشرين بعد الميلاد.

وهي العلم الذي يبحث في الطريقة التي تؤثر بها المساحة والتضاريس والمناخ على أحوال الدول والناس، وهي العلم الذي يهتم بتأثير السياسة على الجغرافيا. فقرار إنشاء قناة السويس كان قرارا سياسيا ترتب عليه تغير في المكان وهو الجغرافيا.

تعتبر الجغرافيا السياسية علما أكاديميا حديثا بالرغم من وجود مبادئها عند وارسطو، لكن يعتبر الألمان هم من بدئوا هذا العلم وذلك بعد أن نشر الجغرافي الألماني فريدريك راتزل كتابه الجغرافيا السياسية وذلك في سنة 1897 م. ويعد الألمان أكثر من كتب في الجغرافيا السياسية وهي تضم مجموعة من المفاهيم السياسية الرئيسية منها: جغرافية المستعمرات، الدولة والأقاليم، الأمة والقومية , جغرافية الانتخابات ,أضافة للخطط الاستراتيجية الجيوبولتيك التي حكمت العلاقات السياسية الحربية القديمة بل والحديثة على أساس خصائص البيئة الجغرافية.

علاقة الجغرافيا السياسية ببعض العلوم

الجغرافيا السياسية تهتم بمواكبة مظاهر التحول في رقعة الوحدات السياسية وسكانها ومواردها وعلاقتها بالدول الاخرى، لذا فهي تتصل بعلوم أخرى عديدة تتضافر كلها لتحليل القوة الجغرافية طبيعيا وحضاريا واقتصاديا وتحديد علاقتها المتشعبة في المكان والزمان. ومن اهم تلك العلوم:

التاريخ

يتعين على الجغرافيين السياسيين الرجوع الى التاريخ وأحداثه في صياغة المبادئ ووضع الأسس لتفسير المشكلات الجارية وتحليلها. ويما ان للتاريخ أبعاد ثلاثة وهي: الأنسان والمكان والزمان، فهو يمد الجغرافية السياسية التي تتكون من بعدين، الارض والأنسان، بما تحتاجه من مجريات الحوادث التاريخية التي أثرت في تطور الدولة من حيث تقدمها أو تأخرها.

علم السياسة

ترتبط الجغرافيا السياسية مع العلوم السياسية بعلاقات وثيقة لأن كلا منهما يدرس الدولة من وجهة نظر خاصة به. ففي حين يتناول علم السياسة علاقات الدول السياسية بعضها ببعض، ودراسة النظم السياسية مثل الدستور وصلاحيات الحكومة المركزية والأحزاب السياسية، نجد أن الجغرافية السياسية تستفيد من هذه الدراسات في تحليل قوة الدولة على ضوء علاقاتها بالأرض. بمعنى أنها تعنى بتحليل العلاقات بين العوامل الجغرافية داخل حدود الدولة، وعلاقة الدولة بالدول الأخرى وخاصة المجاورة منها، على أساس أن الحدود السياسية بين الدول مؤهلة لأن تصبح مناطق نزاع بين الدول ربما يعود في الأصل إلى الاتفاقيات السياسية بين تلك الدول. فعلم السياسة يبحث في النظريات والمبادئ التي تقف من وراء سيادة الدولة بينما تدرس الجغرافية السياسية القوة والعلاقات المكانية.

علم الاقتصاد

تلتقي الجغرافية السياسية مع علم الاقتصاد في نواح شتى، ويمكن تقسيم الموارد الاقتصادية التي تناولها علم الاقتصاد بالدراسة، وتستفيد من نتائجها الجغرافية السياسية في تقييم الوزن السياسي للدول، إلى موارد طبيعية (نباتية وحيوانية ومائية ومعادن وتربة) وموارد رأسمالية وأخرى بشرية، ينعكس اقتصاد الدول على قوتها فالدول القومية اقتصادياً، تفرض وجودها الدولي وسياستها الخارجية عن طريق هيمنة اقتصادها على الاقتصاديات الأضعف ويؤدي بالتالي إلى زيادة الوزن السياسي لها.

العلاقات الدولية

تشكل العلاقات الدولية جزءا مهما من الجغرافية السياسية، وعليه فإن تفسير علاقة دولة بأخرى لا يكون صحيحا إلا بالرجوع إلى البيئة لكل منهما.

كما أن أسس العلاقات الدولية كالسياسية الخارجية بين الدول وتوازن القوى والمؤتمرات الدولية والمعاهدات المتنوعة هي نفسها موضوعات في الجغرافية السياسية.

علم الديموغرافيا

تمثل الديموغرافيا (علم السكان) موردا هاما تستقي منه الجغرافية السياسية الكثير من الحقائق والمعلومات، لذلك فإن أي تفهم صحيح للدولة ومشكلاتها ينبغي أن يضع في الحسبان الاحصاءات الحيوية وتركيب السكان ونموهم.

مناهج البحث في الجغرافيا السياسية

هناك عدد من مناهج البحث الحديثة في الجغرافيا السياسية وهي:

1-     المنهج الإقليمي: ويأخذ في دراسته دولة واحدة أو مجموعة من الدول كوحدة واحدة مهتماً بالعلاقات المتبادلة بين العوامل الجغرافية وسياسة الدولة.

2–     المنهج المورفولوجي: ويتناول في مجال تفسيره الظاهرات السياسية للدولة، الخصائص المورفولوجية ويقصد بها الشكل والموقع وموقع العاصمة والأقاليم الحضارية والسكان ومركز الثقل الاقتصادي والسياسي للدولة والأقاليم الأقل تطوراً.

3–     المنهج التحليلي: ويقصد به منهج تحليل القوة. ويأخذ بنظر الاعتبار في مجال تحليله لقوة الدولة، البيئة الطبيعية والحركة والموارد الاقتصادية والسكان والأوضاع السياسية والإدارية والمكان.

4–     المنهج التاريخي: ويتتبع هذا المنهج تطور المشكلات السياسية الدولية هادفاً من ذلك فهم تلك المشكلات في ضوء اسبابها التاريخية.

5–     المنهج الوظيفي: وهو من مجموعة المناهج الحديثة ويتناول الدولة كإقليم سياسي، مؤكدا في دراسته على الأسباب التي تضمن للدولة ديمومتها محليا وإقليميا ووظيفيا، وهو في هذا يتناول العوامل الجغرافية ودورها في تحديد توجهاتها السياسية وتطورها.

6-     المنهج السلوكي: ويتناول سلوك البشر أفرادا أو جماعات تجاه ظاهرة سياسية معينة كالانتخابات مثلا، وذلك من جوانب معينة للعملية السياسية كاتخاذ القرارات والأفكار السياسية والإدراك المكاني السياسي والانتماء الحزبي وغيرها.

 

أن الجغرافية السياسية شأنها شأن حقول الجغرافية الأخرى اعتمدت اليوم في بحوثها خطوات منهج البحث العلمي الذي يتضمن بعد الملاحظة التي يقصد منها اختيار موضوع معين للبحث، تحديد مشكلة البحث والتي هي سؤال غير مجاب عليه يدور حول هذا الموضوع. ومن ثم فرضيته التي تنبع من المتغيرات الجغرافية السياسية. وبهذا يفتح المجال أمام الخطوة التالية، وهي خطوة البرهنة على صحة الفرضية وهذا يتطلب تحليل البيانات التي تم جمعها باستخدام تقنيات حقلية وأخرى كمية ومنطقية وعلم وفن رسم الخرائط.

 

تعريف الدولة

الدولة هي تجمع سياسي يؤسس كيانا ذا اختصاص سيادي في نطاق إقليمي محدد ويمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة، وبالتالي فإن العناصر الأساسية لأي دولة هي الحكومة والشعب والإقليم، بالإضافة إلى السيادة والاعتراف بهذه الدولة، بما يكسبها الشخصية القانونية الدولية، ويمكنها من ممارسة اختصاصات السيادة لاسيما الخارجية منها. وتتسم الدولة بخمس خصائص أساسية تميزها عن المؤسسات الأخرى:

1- ممارسة السيادة:

2- الطابع العام لمؤسسات الدولة:

3- التعبير عن الشرعية:

4- الدولة أداة للهيمنة:

5- الطابع “الإقليمي” للدولة:

 

التمييز بين الدولة والحكومة

ينبغي التمييز بين الدولة والحكومة، رغم أن المفهومين يستخدمان بالتناوب كمترادفات في كثير من الأحيان. فمفهوم الدولة أكثر اتساعا من الحكومة. حيث أن الدولة كيان شامل يتضمن جميع مؤسسات المجال العام وكل أعضاء المجتمع بوصفهم مواطنين، وهو ما يعني أن الحكومة ليست إلا جزءا من الدولة. أي أن الحكومة هي الوسيلة أو الآلية التي تؤدي من خلالها الدولة سلطتها وهي بمثابة عقل الدولة. إلا أن الدولة كيان أكثر ديمومة مقارنة بالحكومة المؤقتة بطبيعتها: حيث يفترض أن تتعاقب الحكومات، وقد يتعرض نظام الحكم للتغيير أو التعديل، مع استمرار النظام الأوسع والأكثر استقرارا ودواما الذي تمثله الدولة. كما أن السلطة التي تمارسها الدولة هي سلطة مجردة “غير مشخصنة”: بمعنى أن الأسلوب البيروقراطي في اختيار موظفي هيئات الدولة وتدريبهم يفترض عادة أن يجعلهم محايدين سياسيا تحصينا لهم من التقلبات الأيديولوجية الناجمة عن تغير الحكومات. وثمة فارق آخر وهو تعبير الدولة (نظريا على الأقل) عن الصالح العام أو الخير المشترك، بينما تعكس الحكومة تفضيلات حزبية وأيديولوجية معينة ترتبط بشاغلي مناصب السلطة في وقت معين.