لكل السوريين

اطلالة صغيرة على ما بعد كورونا

انعام إبراهيم نيوف

شئنا أم أبينا، فان عام 2020 , سيدخل تاريخنا والتاريخ البشري بوصفه عام الكورونا، ومن سيبقى حيا سيتبادل القصص والحكايات، المحزنة والمضحكة، رغم صدور موجات من بحر السخرية والمزاح على وباء كورونا اللعين، والتي ستندرج في خانة الكوميديا السوداء، والمحجور عليهم سيقومون برواية أكثر القصص الطريفة والغريبة، والمليئة بالخوف والالام، وربما سيكتب بعضهم تجربتهم المؤلمة والرهيبة، وقد تتحول هذه القصص او بعضها مع بعض الحوادث الطريفة الى مواد هامة لأعمال درامية مميزة.

فالمثل الصيني يقول: من المياه القذرة تخرج أحلى الخضراوات. سنعود الى حياتنا بدون الحجر وسنذهب إلى وظائفنا وأعمالنا ومدارسنا وجامعاتنا وشوارعنا وطبيعة بلدنا الحبيب وأصدقاءنا وأقرباءنا وفسحاتنا ونزهاتنا، وسنروي لبعضنا البعض كيف قضينا أيام الحجر وكيف التزمنا بمنازلنا، وما الذي أحببناه في هذه الإجازة الاضطرارية وما الذي كرهناه، وسيكون لدينا مخزون كبير من القصص والحكايات، ولفترة زمنية طويلة. سنقول انها كانت لنا مناسبة نادرة وأليمة، للإطلالة على عاداتنا وتفاصيلنا بالليل والنهار.

طالما استهلكتنا الحياة اليومية القاسية بإيقاعاتها السريعة, المليئة بمزيج غريب من الالام والظروف القسرية والقاسية وروائح الدمار والخراب والضحايا منذ حوالي العشر سنوات وحتى الان, فقد أخذت خيرة شباتنا و شبابنا, وأكلت من سنين عمر من بقي حيا وزرعت فينا الغربة وبيننا وبين الاخرين وازددنا غربة واغترابا حتى على انفسنا, وانها خلقت لدينا عادات حميدة لها علاقة بالتدبير والتحمل والصبر والتقشف اكتسبناها ومارسناها طائعين أو مكرهين, يضاف الى ذلك , فأيام قليلة من الحجر الاحترازي كانت كفيلة بإحداث فرق في نظافة الهواء والمياه وكل شيء حولنا.

ساعدتنا في اكتشاف نادر وفريد للمعاني الحياتية المتأصلة في سلوكياتنا ومواقفنا واندفاعنا نحو الحياة واستيعابنا الواضح لغرض الحياة واحساسنا بان الحياة ذات هدف، وان حياتنا ذات معاني جميلة ورائعة، لكن المفارقة الجميلة والاليمة لمتعة أننا أردنا ان يكون لوجودنا معنى في عالم خال من الأمان والسلامة والأمل ومليء بالتهديد المستمر لحقنا في الحياة، برزت عبر تناقضات حادة بين تعلقنا بالحياة والحجر علينا في بيوتنا، نعم ان هذه الاجازة الاضطرارية منحتنا فرص رائعة للتأمل والتفكر.

لقد شاءت الظروف والأقدار وفرضت علينا مواجهة عدو لعين، لم تكن حربنا عليه اختيارية بل اضطرارية، والكل مضطر للمواجهة فالخطر يتهدد الجميع، نحن جميعاً في هذه الحرب، ولكل منا أدواره، بدءاً من ملازمة بيوتنا، وهذا أضعف الإيمان، يمكنني القول ان هذا الفايروس الخبيث، ساهم بشكل كبير بإظهار بعض الأشخاص السوريين في بعض الأماكن، أخلاقيات الكرم والعطاء والتضحية والايثار.

لكن بقي أداء الحكومة السورية وأجهزة الإدارة الذاتية، رغم أهميته وجديته، مشوبا ببعض الخروقات لتجار الازمات وامتصاصهم لدماء الشعب وكأنهم محصنون عن الإصابة بالفيروس، علاوة على ذلك، فان كورونا الخبيث وصدمته الجارفة سمحت للبعض بتصرفات مجنونة والهجوم على شراء المواد والتخزين، دون أي حسابات أخرى للآخرين، لكن هذه الشريحة لم تستطع إخفاء الأوجه الإيجابية الرائعة التي برزت لدى بعضا من السوريين.

مازال الامل يحدونا بالتزام الجميع في منازلهم، واعتماد أكبر درجات الوقاية والحيطة والنظافة، متوسلين الخروج من هذه الكارثة بأقل الخسائر، لكننا بالتأكيد سنخرج بقيمة جديدة وأخلاق جديدة سيتم صقلها وتعزيزها بما يخدم الوطن والمواطن والمواطنة.