لكل السوريين

حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب في غزة وفق القانون الدولي

بتصرف وإعداد انعام إبراهيم نيوف

ردت إسرائيل على هجوم حماس المباغت الدامي بقصف مدمِّر وحصار شامل وبشن هجوم بري لاحقاً، فما هو موقف القانون الدولي؟ وهل هنالك جرائم الحرب وفق القانون الدولي؟

الحرب قاسية ومروعة لأن الحرب هي استخدام العنف المنظم لتحقيق أهداف سياسية، إن تأطير هذا العنف بقواعد هو هدف القانون الدولي، ولكن بالنسبة لما يحدث في إسرائيل وغزة ليست الأمور بتلك السهولة.

إن الهجوم الذي نفذه يوم 7 تشرين الأول 2023 مسلحو حركة حماس وأسفر عن مقتل عشرات من الأشخاص واختطاف عدد كبير كرهائن، ذلك ما أدى برئيس الوزراء الإسرائيلي إلى إعلان حالة الحرب.

ووفق القانون الدولي الإنساني، أحد أهم المبادئ في الحرب هو شرط التمييز: يجب على الأطراف المتحاربة التمييز بين المدنيين والمقاتلين، بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية. لكن هذا يعني فقط أن المدنيين أو الأهداف المدنية يجب ألا يكونوا هدفا للهجمات بشكل متعمد. وبالتالي فإن قتل المدنيين محظور فقط إذا أمكن إثبات أنه تم عن عمد.

إن التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية الذي يفرضه القانون الدولي يكاد يكون مستحيلاً في قطاع غزة، وهي واحدة من أكثر المناطق المأهولة بالسكان والأبنية على وجه الأرض، وتمتد أنفاق حماس كذلك تحت المباني السكنية، وتقع مقرات ومنشآت حماس أحياناً في المباني السكنية والمكاتب التجارية، والقانون الدولي لا يولي سوى القليل من الاعتبار لذلك، استناداً على اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، في المادة 3: في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة، يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق كحد أدني الأحكام التالية:

  1. الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم علي العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر.

ولهذا الغرض، تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه، وتبقي محظورة في جميع الأوقات والأماكن:

(أ) الاعتداء علي الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب.

(ب) أخذ الرهائن.

(ج) الاعتداء علي الكرامة الشخصية، وعلي الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة.

(د) إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلا قانونيا، وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة.

  1. يجمع الجرحى والمرضي ويعتني بهم.

ويجوز لهيئة إنسانية غير متحيزة، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن تعرض خدماتها على أطراف النزاع.

وعلى أطراف النزاع أن تعمل فوق ذلك، عن طريق اتفاقات خاصة، علي تنفيذ كل الأحكام الأخرى من هذه الاتفاقية أو بعضها.

وليس في تطبيق الأحكام المتقدمة ما يؤثر على الوضع القانوني لأطراف النزاع.

إن وجود حماس وقيادتها في المدارس والمساجد والمستشفيات لا يجب أن يجعل من تلك المنشآت أهدافاً عسكرية مشروعة، استنادا على اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، وفق المادة 8: لا يجوز للأشخاص المحميين التنازل في أي حال من الأحوال جزئيا أو كلية عن الحقوق الممنوحة لهم بمقتضى هذه الاتفاقية، أو بمقتضى الاتفاقات الخاصة المشار إليها في المادة السابقة، إن وجدت.

وتفرض إسرائيل حصاراً شاملاً على قطاع غزة، هنالك حصار كامل تم من خلاله قطع إمدادات الكهرباء والمياه والغذاء والوقود عن غزة، وتتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب نظرا لحجم الضربات الجوية والحصار، وتحدثت منظمة “أطباء بلا حدود” عن تعرض غزة لعقاب جماعي، ما يشكل انتهاكاً للقانون الدولي، استنادا على اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، وفق المادة 10: لا تكون أحكام هذه الاتفاقية عقبة في سبيل الأنشطة الإنسانية التي يمكن أن تقوم بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو أية هيئة إنسانية أخري غير متحيزة، بقصد حماية الأشخاص المدنيين وإغاثتهم، شريطة موافقة أطراف النزاع المعنية.

ويحظر القانون الدولي ما يسمى بالعقاب الجماعي، وفي هذه الحالة العقاب الجماعي لجميع السكان الفلسطينيين في قطاع غزة، ليس جميعهم أعضاء في حماس وليسوا جميعاً مسؤولين عن هذا الهجوم لكنهم يتأثرون برد فعل إسرائيل، أي بشكل عشوائي، استنادا على اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، وفق ما ورد في المادة 11: للأطراف السامية المتعاقدة أن تتفق في أي وقت على أن تعهد إلى هيئة تتوفر فيها كل ضمانات الحيدة والكفاءة بالمهام التي تلقيها هذه الاتفاقية علي عاتق الدول الحامية.

وإذا لم ينتفع الأشخاص المحميون أو توقف انتفاعهم لأي سبب كان بجهود دولة حامية أو هيئة معنية وفقا للفقرة الأولي أعلاه، فعلي الدولة الحاجزة أن تطلب إلي دولة محايدة أو إلي هيئة من هذا القيبل أن تضطلع بالوظائف التي تنيطها هذه الاتفاقية بالدول الحامية التي تعينها أطراف النزاع.

فإذا لم يمكن توفير الحماية على هذا النحو، فعلي الدول الحاجزة أن تطلب إلي هيئة إنسانية، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر، الاضطلاع بالمهام الإنسانية التي تؤديها الدول الحامية بمقتضى هذه الاتفاقية، أو أن تقبل، رهنا بأحكام هذه المادة، عرض الخدمات الذي تقدمه مثل هذه الهيئة.

أمر الجيش الإسرائيلي أكثر من مليون مدني في الجزء الشمالي من قطاع غزة أي ما يقرب من نصف إجمالي السكان بالانتقال إلى جنوب القطاع، وينطبق الأمر نفسه على المنظمات الدولية، ومن ناحية أخرى، دعت حماس السكان إلى البقاء، استنادا على اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، وفق ما ورد في المادة 14: يجوز للأطراف السامية المتعاقدة في وقت السلم، ولأطراف النزاع بعد نشوب الأعمال العدائية أن تنشئ في أراضيها، أو في الأراضي المحتلة إذا دعت الحاجة، مناطق ومواقع استشفاء وأمان منظمة بكيفية تسمح بحماية الجرحى والمرضي والعجزة والمسنين والأطفال دون الخامسة عشرة من العمر، والحوامل وأمهات الأطفال دون السابعة.

يجوز للأطراف المعنية أن تعقد عند نشوب نزاع وخلاله اتفاقات فيما بينها للاعتراف المتبادل بالمناطق والمواقع التي تكون قد أنشأتها. ولها أن تطبق لهذا الغرض مشروع الاتفاق الملحق بهذه الاتفاقية مع إدخال التعديلات التي قد تراها ضرورية عليه.

والدول الحامية واللجنة الدولية للصليب الأحمر مدعوة إلي تقديم مساعيها الحميدة لتسهيل إنشاء مناطق ومواقع الاستشفاء والأمان والاعتراف بها.

ونظرا لأن البنية التحتية في قطاع غزة مدمَّرة -ولقلة عدد الأماكن التي يمكن أن يذهب إليها هذا العدد الكبير من الناس- فإن الأمم المتحدة تعتبر عملية الإخلاء مستحيلة. ويوصف أمر الإخلاء بأنه انتهاك للقانون الدولي، لكن حتى تنفيذ الأمر الإسرائيلي لم يضمن السلامة، إذ أظهرت لقطات فيديو تحققت منها صحيفة واشنطن بوست عددا من الأشخاص -من بينهم عدة أطفال- قتلى في هجوم إسرائيلي أثناء فرارهم جنوبا يوم الجمعة 13 تشرين الأول 2023. استنادا على اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، وفق ما ورد في المادة 18: لا يجوز بأي حال الهجوم علي المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضي والعجزة والنساء النفاس، وعلي أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات.

علي الدول الأطراف في أي نزاع أن تسلم جميع المستشفيات المدنية شهادات تثبت أنها مستشفيات ذات طابع مدني وتبين أن المباني التي تشغلها لا تستخدم في أي غرض يمكن أن يحرمها من الحماية بمفهوم المادة 19.

تميز المستشفيات المدنية، إذا رخصت لها الدولة بذلك، بواسطة الشارة المنصوص عليها في المادة 38 من اتفاقية جنيف لتحسين حال الجرحى والمرضي بالقوات المسلحة في الميدان، المؤرخة في 12 آب/أغسطس 1949.

تتخذ أطراف النزاع، بقدر ما تسمح به المقتضيات العسكرية، التدابير الضرورية لجعل الشارات التي تميز المستشفيات المدنية واضحة بجلاء لقوات العدو البرية والجوية والبحرية، وذلك لتلافي إمكانية وقوع أي عمل عدواني عليها.

وبالنظر للأخطار التي يمكن أن تتعرض لها المستشفيات نتيجة لقربها من الأهداف العسكرية، فإنه يجدر الحرص على أن تكون بعيدة ما أمكن عن هذه الأهداف. وكذلك على ما جاء في اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، في المادة 19: لا يجوز وقف الحماية الواجبة للمستشفيات المدنية إلا إذا استخدمت، خروجا على واجباتها الإنسانية، في القيام بأعمال تضر بالعدو. غير أنه لا يجوز وقف الحماية عنها إلا بعد توجيه إنذار لها يحدد في جميع الأحوال المناسبة مهلة زمنية معقولة دون أن يلتفت إليه.