لكل السوريين

مع اقتراب الدخول في شهرها الثالث.. انتفاضة السويداء تتصاعد وتنوّع أنشطتها وتتجه نحو تشكيل قيادة سياسية

مع اقتراب دخول انتفاضة محافظة السويداء شهرها الثالث، يواصل المتظاهرون فعالياتهم بزخم وحماس كبيرين، وفي المظاهرة المركزية الأسبوعية تجمع آلاف المتظاهرين في ساحة الكرامة وسط المدينة، وطالبوا بتطبيق القرار الأممي 2254، ورفعوا لافتات وشعارات تؤكد على سلمية الاحتجاجات، ودعوا المكونات السورية للالتحاق بهم.

وقدمت وفود كبيرة من كافة أنحاء المحافظة للمشاركة بالمظاهرة المركزية في ساحة الكرامة التي باتت رمزاً لاحتجاجات المحافظة.

ووقف المتظاهرون في السويداء وأريافها دقيقة صمت حداداً على ضحايا جريمة الكلية الحربية في حمص، وحمّلوا النظام السوري المسؤولية عن الدماء التي أريقت بمختلف مناطق سوريا.

وكان تواجد النساء في الساحة لافتاً ومميزاً كما كان دائماً، من خلال الهتافات التي طالبت بالتغيير السياسي وبمجتمع خال من الاستبداد والفساد.

وطّور القائمون على الاحتجاجات حراكهم من خلال تنظيم العديد من النشاطات خلال الوقفات الاحتجاجية بمشاركة العديد فنانين من مختلف المجالات، وخاصة في مجال الرسم والغناء، مما أضاف أشكالاً جديدة للمظاهرات التقليدية، وعملوا على تنويع أنشطتهم بما يكفل استمرارية التظاهرات وتصاعدها.

وخرجت مظاهرة في قرية “عرى” منددة بالبيان الذي أصدره لؤي الأطرش أمير دار عرى واتهم فيه القائمين على الحراك بـ”انحرافهم عن المطالب ولجوئهم إلى الخارج”.

مهرجانات الريف

تصاعدت المظاهرات والوقفات الاحتجاجية المسائية في مختلف مدن قرى وبلدات المحافظة، وتوالت الدعوات على مساحة المحافظة لتنظيم مثل هذه الوقفات.

وفيما شهدت ساحات مدينة شهبا وقريتي الهيات وسليم بريف المحافظة الشمالي وقفات احتجاجية بحضور وفود كبيرة من القرى المجاورة لها، شهد الريف الجنوبي والشرقي والغربي من المحافظة وقفات احتجاجية مماثلة رفعت خلالها شعارات أكدت على وحدة الشعب السوري، وخروج كافة الاحتلالات من سوريا، وطالبت بالتغيير السياسي في البلاد.

وعادة ما يلجأ العشرات من المحتجين إلى المناطق الأخرى التي تنظم بها الوقفات الاحتجاجية عندما لا يستطيعون الوصول إلى ساحة الكرامة للمشاركة في احتجاجات المدينة، نتيجة الظروف المادية، أو امتناع أصحاب حافلات النقل العامة عن نقلهم تحت تهديد السلطات لهم بحرمانهم من مخصصاتهم من المحروقات.

وتحولت هذه المظاهرات والوقفات إلى مهرجانات عارمة تلقى ترحيباً وتكريماً من قبل المناطق التي تستضيفها، وتقدم فيها الدبكات والأهازيج الشعبية إلى جانب اللافتات التي تعبر عن مطالب الحراك بالحرية والكرامة.

وعلى هامش هذه المهرجانات يستمر أهالي القرى والبلدات باختيار ممثليهم في لجان المدن التابعين لها إدارياً، والتي بدأت تتشكل منذ أسابيع بشكل ديمقراطي انطلاقاً من مبدأ تطبيق الحرية والديمقراطية التي تعد أول مطالب الحراك السلمي في السويداء.

لقاء وطني مميز

قبل أكثر من سنة تعالت أصوات الرصاص والقذائف في حي المقوس شرقي مدينة السويداء، جرّاء هجمات نفذتها مجموعات مسلحة تابعة لشعبة المخابرات العسكرية على الحي، لإشعال الفتنة بين مكونات الشعب السوري.

وبعد فترة وجيزة، تمكن أهالي السويداء من القضاء على تلك العصابات المتورطة في تصنيع المخدرات، والجريمة المنظّمة.

وقبل أيام، اجتمع الأهالي من مختلف أنحاء المحافظة في نفس الحي الذي تقطنه مجموعة من عشائر السويداء في لقاء وطني مميز، ونظّموا وقفة احتجاجية سلمية ضمّت وفود عشائر الجبل ورجال دين وعلمانيين من كل مكونات الشعب السوري.

وأكد المحتجون في وقفتهم على وحدة مصيرهم، ورفعوا لافتات تطالب بالتغيير السياسي، ورحيل المنظومة الحاكمة التي فشلت أذرعها الأمنية في إشعال نيران الفتنة بينهم.

وشكّل هذا المشهد علامة فارقة في انتفاضة السويداء الشعبية، وردّاً مهماً على محاولات أبواق النظام اتهامها بالفئوية والانفصالية، وأسقطت وقفة حي المقوس هذا الاتهام المعلب، كما فعل حراك ساحة الكرامة، وحراك كل ساحة خرج فيها صوت يدعو للحرية وللتغيير، “فلا بقاء لنظام حاول تفريق شملنا”، كما قال أحد المتظاهرين.

اعتصام المحامين

من المؤشرات اللافتة  في الحراك الشعبي، اعتصام عدد من المحامين أمام قصر العدل في السويداء، بعد حدوث تجاوزات من قبل بعض القضاة على محامين يؤيدون الحراك الشعبي، واستمرار النائب العام للمحافظة باستخدام صلاحياته بتعطيل القضاء وإقفال القصر العدلي أمام المواطنين.

وكانت دعوة قد انتشرت عبر تطبيق واتساب مخصصة للمحامين والمحاميات، للاعتصام أمام القصر العدلي، بعد محاولة أحد القضاة توقيف أحد المحامين عن طريق شرطة المحكمة، بحجة واهية مما جعل غالبية المحامين يحتجون على هذا التعدي.

وقال ناشط حقوقي في تعقيبه على هذا الاعتداء  إن “الوظيفة العامة ليست ملكاً لأحد، لا حزب ولا شخص، كائناً من كان”.

وأوضح أنه “يمنع على القاضي أن يكون له موقف سياسي أو حزبي بموجب قانون السلطة القضائية”.

ونفّذ المحامون احتجاجاً سلمياً أمام القصر العدلي، وأصدروا بياناً استنكروا فيه الاعتداء على زميلهم، مؤكدين وقوفهم إلى جانب العدالة والقانون، ومعتبرين أن قصر العدل هو المكان الذي يفترض أن تتحقق فيه العدالة والقانون دون تمييز أو محاباة.

وجاء في البيان “الاعتصام سلمي وخاص بالمحامين فقط”، واستهجنوا قرار النائب العام إغلاق قصر العدل لمنع الاعتصام وتعطيل قضايا المواطنين والمحامين والقضاة.

قرية تعزل مختارها

في ظاهرة جديدة تحمل دلالات كبيرة لما يمكن أن يسفر عنه تواصل الحراك وتصاعده، عزل أهالي قرية تعارة في ريف السويداء الغربي مختار قريتهم على خلفية كتابته تقارير بأسماء المشاركين في الاحتجاجات من الأهالي ورفعها إلى الجهات الأمنية.

وعقد الأهالي اجتماعاً في صالة القرية حضره أكثر من مئة  شخص من مختلف العائلات، وبعد تقديم وثائق تثبت تورط المختار برفع التقارير الأمنية ضد شباب القرية، قرر المجتمعون عزله من منصبه ومقاطعته اجتماعياً، وأيدت الهيئة الدينية بالقرية هذا القرار.

وبحسب مصدر من القرية يبحث الأهالي تعيين مختار جديد للقرية، ويؤكدون “أن حزب البعث هذه المرة لن يكون له دور في اختياره، فالقرار للمجتمع الأهلي”.

وقد تبدو الحادثة بسيطة، لكن دلالاتها المهمة تكمن في قدرة المجتمع الأهلي على التغيير وإنهاء حالة الهيمنة التي كان يفرضها حزب البعث على أبسط التفاصيل في حياة الناس.

كما تشير إلى أن التضامن الأهلي الواسع مع الاحتجاجات الشعبية كان الحامل الاجتماعي لهذه الانتفاضة بما يشكل علامة فارقة عن أي موجة احتجاجات سابقة شهدتها السويداء سابقاً.

عرس في الساحة

وجّه المتظاهرون في ساحة الكرامة بالسويداء رسالة جديدة للتعبير عن سلمية حراكهم الشعبي، مع مواصلة مطالبتهم بالتغيير السياسي في سوريا وتطبيق القرار 2254 وإسقاط النظام.

وشهدت ساحة الكرامة إقامة عرس لشابين ظهرت خلاله العروس مرتدية الزي الشعبي في المحافظة، وعلى وقع زغاريد حرائر السويداء، زفّ المتظاهرون العروسين مع ترديد الأغاني الشعبية التراثية، والأغنية التقليدية “وين أزفك وين يا عريس الزين عالصخرة الشريفة ويا  الحرمين”.

وشهدت الساحة الأسبوع الماضي حالات مشابهة دمجت الاجتماعي بالسياسي، حيث احتفل شاب بابنته المولودة حديثاً بساحة الكرامة، وأحضر طفلته إلى الساحة للمشاركة بالمظاهرات.

وقدم المتظاهرون المباركات والتهنئة لوالد الطفلة قبل أن يقوموا بحملها على الأكتاف، وسط زغاريد النساء وترديد الأهزوجة الشعبية  “الرضيع المننا لو صاح نانا نرضعو حب الوطن قبل الفطاما”.

وأوضح والد الطفلة أن أحد أسباب إحضارها إلى الساحة هو وجود إخوته خارج سوريا وأنه يريد أن يشاركه الموجودون بالساحة فرحته ويكونوا سنداً له، وقال “إخوتي خارج البلاد، لذلك أريد ممن في الساحة أن يحتفل معي فهم أيضاً إخوتي وأخواتي”.

ووجد الكثيرون من أبناء المحافظة حضور الطفلة إضافة مميزة وذات مدلول عميق في نفوسهم.

النظام يعطّل المؤسسات

شهدت العديد من المؤسسات الخدمية في المحافظة محاولات متعددة لتعطيل أعمال المواطنين واحتياجاتهم اليومية، حيث أغلقت السلطات منذ الأيام الأولى للحراك الشعبي مكتب وزارة الخارجية الكائن في مقر المجلس البلدي بالسويداء.

كما تم إغلاق مديرية النقل لعدة أيام بقرار من مديرها دون توضيح أسباب الإغلاق، مما أدى لتضرر مصالح عشرات المواطنين الذين يتجمعون أمام مدخل المديرية، ويتكبدون نفقات مالية يومية للوصول إلى المديرية البعيدة عن مركز المحافظة.

وتفاقمت معاناة المواطنين بسبب محاولات تعطيل المؤسسات الخدمية الرئيسية كالاتصالات والمياه والكهرباء.

ومنذ بداية الاحتجاجات يسعى النظام إلى خلق التوتر والفوضى والصدام بين المواطنين من خلال تحميل مسؤولية الفساد الخدمي المستشري بمؤسسات الدولة للحراك الشعبي، واتهامه بتعطيل المؤسسات والخدمات العامة بالمحافظة والتسبب بتعطيل مصالح المواطنين.

وكان الحراك الشعبي قد أدى في بدايته إلى وقوف غالبية الموظفين مع الحراك الشعبي من خلال إغلاق المؤسسات.

ولكن سرعان ما أدرك منظمو الحراك الانعكاس السلبي لإغلاق المؤسسات الخدمية على المواطنين، فدعوا إلى عودتها لعملها وساهموا بحمايتها من أي أعمال شغب أو تخريب.

لكن السلطات الأمنية وجدت في إغلاق أو تعطيل هذه الدوائر بشكل كلي أو جزئي، فرصة مناسبة لخلق نقمة شعبية ضد المتظاهرين.

وأصبح المواطن ينتظر لساعات لإنجاز معاملته في أي مؤسسة بحجة تعطل شبكة البيانات أو الكومبيوتر أو الطابعة أو مولدة الكهرباء أو غياب الموظف بسبب تعطل المواصلات وازدحام السير وغيره من الأسباب التي تلقى على عاتق الحراك في السويداء بهدف إثارة امتعاض الناس وتحريضهم عليه.

نحو تشكيل قيادة سياسية

منذ بداية حراك السويداء، برزت أصوات تطالب بضرورة التفكير بتشكيل أجسام سياسية موازية للحراك الشعبي لتصدر مشروعاً وطنياً يفرض التعددية السياسية وتطبيق مبدأ التيارات الوطنية الشريكة غير الخاضعة لأحادية القرار.

ولكن ما يجري في السويداء عبارة عن هبة شعبية تشارك فيها مختلف الفئات العمرية من ذكور وإناث، مع وجود تباين طبيعي في وجهات النظر بين المتظاهرين بشأن ذلك، ووجود بقايا قوى سياسية قديمة مثل الأحزاب اليسارية والقومية التي تراجع دورها سابقاً بسبب الضغوط الأمنية، وتشارك الآن في الحراك الشعبي وتحاول التمسك ببرامجها السياسية القديمة، إضافة إلى ظهور قوى شبابية جديدة شكّلت الحامل الأساسي للحراك، ولكنها تفتقر إلى الخبرة السياسية المتراكمة،

كما ساهمت سنوات القمع الطويلة السابقة في إعاقة نمو المجتمع المدني بشكل طبيعي، وحدّت من قدرته اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب ومن سرعة اتخاذه، وساهمت كل هذه العوامل حتى الآن، في تأخّر ظهور قيادة سياسية حقيقية للحراك.

ورغم كل ذلك بدأ الحراك بتطوير نفسه وإفراز قياداته في مركز المحافظة ومعظم أريافها، مما يشير إلى أن تشكيل قيادة سياسية موحدة أصبحت مسألة وقت على الأرجح لن يكون طويلاً.