لكل السوريين

قصر “المشبك” وقلعة “سمعان” وحكاية المناطق المنسية

حلب/ خالد الحسين

تعد مدينة حلب السورية عبر مر التاريخ، مركزًا أساسيًا للحضارات السابقة على اختلافها، حتى أصبحت معالمها الأثرية، شاهداً على حضارة الأمم الغابرة، رغم اختلاف اللغات وتعدد الإمبراطوريات والحضارات فيها.

في غربي مدينة حلب الواقعة شمالي سوريا، يوجد معلمان أثريان تاريخيان يعودان للقرنين الرابع والخامس الميلادي، وهما قصر “المشبك” وقلعة “سمعان”. ورغم المسافة القريبة بينهما، إلا أن كل منهما ينفرد بتميزه الخاص، حتى أصبحا تحفا متألقة على مر العصور، إلا أن القاسم المشترك بين القصر والقلعة، هو وقوعهما ضمن أكثر تجمع للمناطق الأثرية حول العالم، والتي تعرف بـ “المناطق المنسية” التي تعود إلى الفترة بين القرنين الأول والسابع للميلاد وأحياناً حتى العاشر، وهي من المناطق الهامة في تاريخ المسيحية، وقد بلغ عددها 800 موقع أثري، منها ما هو مسكون حالياً ومنها ما هو غير مسكون ويقع معظمها في محافظتي حلب وإدلب شمالي سوريا.

قصر المشبك

وهو عبارة عن كنيسة أثرية سريانية، بنيت في حوالي عام 470م، أي خلال النصف الثاني من القرن الميلادي الخامس، وتعود للعهد البيزنطي، وتقع بالقرب من بلدة دارة عزة، غربي محافظة حلب بمسافة 28 كيلومترا.

كما يقع القصر “الكنيسة” وسط تجمع أثري سرياني كبير يعرف بـ “المدن المنسية” ويتموضع على أعلى هضبة على طريق قلعة “سمعان”.

القصر، حمل العديد من المزايا الفريدة من نوعها، حيث قسمت الكنيسة إلى ثلاثة أسواق، الأوسط مخصص للرجال، والاثنين الآخرين للنساء، إضافة إلى احتواء الكنيسة “القصر” على 10 أعمدة، موزعة بهندسة متقنة “5 أعمدة” من كل جانب، فيما تصل الأعمدة ببعضها قناطر حجرية وكل عمود مقطوع من حجر واحد، أما السقف، فمصنوع من الخشب تغطيه قطع القرميد الحمراء.

قصر المشبك، نال اسمه وشهرته من هندسته العمرانية المبتكرة، والتي أثبتت نجاحها طيلة 15 قرنا، على اعتبار أن الجهة التي بنت القصر، أخذت ضمن أولويات البناء “الزلازل والهزات الأرضية” التي كانت تصيب أراضي أنطاكيا في تلك الفترات، فاعتمدت على البناء المتشابك والمتماسك، بعد الأحجار الكلسية الصلبة، وهو طراز عمراني أثبت نجاعته، إذ أن الكنيسة صمدت أمام كل الزلازل والحروب، وبقيت حتى يومنا هذا.

وفي عام 2011 تم تسجيل قصر “المشبك” من قبل قائمة اليونسكو للتراث العالمي كجزء من القرى القديمة “المدن المنسية” في شمال سوريا.

قلعة سمعان

وهي تقع على جبل سمعان، وعلى بعد 30 كم غرب مدينة حلب وحوالي 7 كم شمال غرب ناحية دارة عزة، حيث تعتبر القلعة، أحد أبرز المواقع النموذجية التي حافظت على أوابدها حتى التاريخ المعاصر، إذ تحتوي على عدد من المباني الأثرية الهامة التي كان لها دور كبير في تاريخ المنطقة، كما يمر من جنوبي القلعة الطريق الروماني المرصوف، الذي كان يربط بين أنطاكية ودمشق.

يعود السبب الأهم في تسمية القلعة إلى القديس سمعان، الذي ينحدر بحسب أحد الباحثين في التاريخ ، من عائلة مسيحية بسيطة، إذ قاده عمله في رعاية الأغنام إلى هذه المنطقة، فاستقر فيها واتخذ منها مكانا للتعبد لمدة عشر سنوات، حتى أصبح فيما بعد مصدرا يقصده العوام من أجل الدعاء والتبرك.

إلا أنه تضايق من الحشود البشرية الوافدة إليه، فاتخذ مقرا لنفسه على العمود الذي عرضه حوالي مترين، وبعد وفاته تم بناء الكنيسة حول العمود الذي كان يتعبد عليه القديس سمعان، وكان البناء خطوة تكريمية له.

القديس سمعان، وفق المراجع التاريخية، لم يكن بالشخص التقليدي أبداً، إذ عاش دهراً من عمره (نحو 42 عاماً) فوق عمود طوله حوالي 36 ذراعا، وأسس بذلك طريقة مبتكرة في التنسك، ليصبح أول من تنسك على عمود حجري، وهي طريقة انتشرت بعده في كافة مدن ومناطق الشمال السوري ومنها إلى أوروبا.

فيما يرجع بناء كنيسة سمعان وفق ما قاله الباحث في التاريخ لـ “السوري” إلى الإمبراطور البيزنطي زينون عام 476 ميلادي، مشيرا إلى أن السبب الذي دفع الإمبراطور لبناء الكنيسة هو توجهه إلى كسب ولاء سكان المناطق الشرقية من الإمبراطورية.

ويضيف المصدر، أن إعمار الكنيسة استمر لمدة 14 عاما، حيث تألف في نسخته النهائية من ثلاثة أقسام، وهي “الكنيسة، المعمودية والمقبرة”.

في حين أن مساحة البناء الكلي هي 12 ألف متر مربع، فتسمية البناء ترجع إلى القديس سمعان العمودي، الذي ولد في في قرية سيسان بين سوريا وقيليقية في الربع الأخير من القرن الرابع.

بعض المصادر التوثيقية، أشار إلى أن بطريرك أنطاكيا أصر بعد وفاة القديس سمعان على نقل جثمانه إلى أنطاكيا بأوامر مباشرة من الإمبراطور ليون، لكن الأهالي رفضوا ذلك وقاوموه، فأرسل الإمبراطور 600 جندي للقضاء على مقاومتهم، واستطاع نقل الجثمان إلى كنيسة القديس قسطنطين في أنطاكيا. نقل الرفات لاحقاً إلى القسطنطينية ودفن في كنيسة آيا صوفيا.

وفي الفتح الإسلامي، كان عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين، قد عين أميراً على إمارة دير سمعان وظل واليًا عليها حتى سنة 86 هـ. وتوفي الوالي في دير سمعان ودفن فيها.

أجزاء الكنيسة

تتألف الكنيسة من قسم مركزي مثمن وأربع كنائس متصالبة مع بعضها، ويمكن تفصيلها فيما يلي:

المدخل: يتألف من ثلاثة أبواب تقابلها ثلاثة أقواس، زُخرفت منصة الباب بالقوالب وكذلك الأمر بالنسبة للسواكف، يبلغ عرض هذه الأبواب 2.89 م و ارتفاعها 4.50 م تقريباً.

المثمن: تم بناء المثمن وفق مخطط دقيق، ويتصل مع كل جناح من أجنحة الكنيسة في الوسط بقوس، كما توجد أربعة أقواس أخرى تحمل القبة المركزية ويشكل المثمن التي تستند عليه.

البازيليك الشرقية: خصصت هذه البازيليك التي تؤرخ إلى القرنين الخامس-السادس الميلاديين لإقامة الشعائر الدينية، وكانت المكان الأكثر قدسية بينما خصصت بقية الأجنحة للحجاج.

البازيليك الغربية: تمتاز ببناء أساسات مدعمة بقوة لتتكيف مع الفرق الكبير في المستوى في هذا المكان، تحولت فيما بعد إلى حصن.

المعمودية: وهي عبارة عن مبنى مربع محاط بممرات من جهاتها الأربع، تم تنظيمها بشكل يمنع اختلاط المعمدين بغير المعمدين، كما ان هناك درجين في جهتها الشمالية والجنوبية. حيث ينزل الشخص المراد تعميده من إحداهما في الماء ويخرج من الجهة المقابلة، ومن الباب الشمالي للدار يخرج المعمَّدون إلى الكنيسة المصلبة.

المدفن الجماعي: مبني ضمن مقلع صخري ويشبه إلى حد ما كنيسة بصحن وحيد كباقي المدافن الجماعية للأديرة كما أنه يأخذ نفس اتجاه الكنيسة، له واجهة مزخرفة.

الدير: مؤلف من ثلاثة طوابق، استخدم جزء من الطابق الأرضي كاسطبل لإيواء الحيوانات فيه، وأقام الرهبان في الجهة الشرقية منه، أما باقي الجهات فقد أحيطت بها الأروقة.