لكل السوريين

تل البيعة.. حين يجتمع التاريخ بالمستقبل ويمران بالحاضر

إعداد/ الباحث محمد عزو        

على الحافة الشرقية من مدينة “الرقة” الحالية، وعند ملتقى نهر “الفرات” برافده “البليخ” توجد أقدم المستوطنات في منطقة “الفرات” بمكان يدعى “تل البيعة” الذي يبعد /2كم/ عن الضلع الشرقي لأسوار” الرافقة”، وكلمة بيعة تعني الكنيسة (بيع وصوامع) التي كانت مبنية على قمة التل ويعود تاريخها إلى القرن السادس الميلادي.

جاء ذكر مدينة “توتول” في ( وهي المدينة السالفة للرقة في الألف الثالث قبل الميلاد) الرُّقم المكتشفة في كل من “ماري” و”ايبلا” و”ايمار”، وورد ذكرها أيضاً في أخبار “صارغون” الذي استمد سلطته من إله “توتول” “دجن”، الذي منحه البلاد العليا، سورية والأناضول، وفي العام /1974م/ استطاع العالم البلجيكي “جـورج دوسَّان” تحديد موقع هذه المدينة بملتقى نهر “الفرات” برافده “البليخ”، وبعد ستة أعوام من ذلك التاريخ بدأت أعمال التنقيب الأثري في تل البيعة من قِبَل بعثة ألمانية برئاسة المرحومة البروفيسورة ايفا شترومنغر لروحها النور والسلام.

وتعتبر توتول من المدن الأولى في التاريخ السوري القديم، حيث انطلقت منها فتوحات “صارغون” ذلك لما تتمتع به هذه المدينة من ميزات تعبوية، فهي غنية بالغذاء لزراعتها المتطورة، ولقد ذكر أن أفراد جيش “صارغون” المؤلف من قرابة /5000/ شخص، كانوا يأكلون يومياً بحضرته، وبفضل الإله “دجن” حامي “صارغون” تحققت له سطوة لا منافس لها في كل البلاد، وفي إحدى كتابات رُقُم “ماري” إشارة إلى اسم ملك “توتول” “ياخلو كوليم”.

ولم تكن هذه المدينة التي صارت مملكة مستقرةً كي تستطيع صد أطماع مملكة “يمحاض”، مدينة “حلب”، ومملكة “ماري” والسيطرة عليهما، وعندما حاول ملك “توتول” التحالف مع شيخ البدو “لاعوم” ومعه العشائر الني تقطن في محيطها، يدعمهم ملك “يمحاض”، قام ملك “ماري” بمقاومة هذا التحالف في مدينة “حماتوم” يعتقد أنه (تل الحمام) وهدم أسوار “توتول”، وأصبح يلقَّب باسم ملك “ماري” وبلاد “هانار”، وبقيت “توتول” تحت سيطرة “ماري”، إلا أنَّ سكان “توتول” ثاروا على حكم “ماري” بعهد ملكها “لاناسوم”، بقيادة “باشوب دجن” وساعدهم بذلك ملك “زلبا” (حمام التركمان).

ولكنَّ هذه الثورة أُخمدت عندما تمَّ إقناع السكان بتغيير الحاكم وجعله منهم، واستلم الحكم “عبدوما دجن” الذي ينسب له الفضل الكبير بازدهارها، وتعرضت للاجتياح من قِبَل “حمورابي” ملك “بابل” هي ومملكة “ماري”.. وعن التنقيبات الأثرية التي قامت بها البعثة الألمانية برئاسة البروفسورة “إيفا شترومينغر”.

فأثناء مواسم التنقيب تم العثور على القصر الملكي، الذي يعود تاريخه إلى النصف الثاني من الألف الثالثة قبل الميلاد، وهو يشبه بتصميمه القصر الملكي في مملكة “ماري”، إذ أنه يمتد /45/ متراً من جهة الشرق إلى الغرب، وله جدران سميكة ومبنية من مادة اللبن، على أساسات من الحجر الكلسي، وله صالات ذات أبعاد /24 ×10/ م، وله مداخل خاصة بالحاكم والآلهة، أما المعبد هو بين القصر وبين المساحة الرئيسية للمدينة (الجهة الشمالية الغربية)، وللمعبد شكل مستطيل، وهو مستقل عن المباني الأخرى، طول الحرم فيه/10/ م، وله ممرات عديدة، ويصنف هذا المعبد بذي الردهة الأمامية، وهو طراز شائع في جميع أنحاء الشمال السوري.

وللقصر كما للمعبد، مجاري مياه مصنوعة من الفخار على شكل قساطل تنقل المياه إلى خارج المدينة، أما بيوت ومنازل الطبقة الفقيرة من العامة، كانت مبنية خارج أسوار المدينة في السهل الجنوبي، وتتألف هذه البيوت من غرف صغيرة صماء ليس لها نوافذ، لكنها مفتوحة على الفناء الداخلي، وهي مبلطة بالآجر، ومشيدة من مادة اللبن المجفف تحت أشعة الشمس.

أما القصر الملكي الأحدث عهداً والمبني وفق مخطط يشبه القصر الملكي في”ماري”تل الحريري”، يرجع تاريخ هذا القصر إلى فترة الألف الثانية قبل الميلاد، حيث عثر فيه على مجموعة كبيرة من الرقم الطينية، وأهمها الرقيم البيضوي الذي يحمل اسم مدينة توتول، وعثر أيضاً على مجموعة من الحلي الذهبية والأختام الأسطوانية.

هوجمت المدينة في عام /1250/قبل الميلاد، عند ظهور الآشوريين وهي فترة مليئة بالصراعات حول منطقة حول منطقة الجزيرة الفراتية حتى أعالي الفرات، من قبل القوى الكبرى آنذاك، وكان نتيجة لهذه الصراعات أن تفوقت المملكة الآشورية وظهرت مدن وممالك أكثر أهمية.

ويذكر أن مدينة توتول كانت ذات أهمية كبيرة في رسم صورة المنطقة تاريخياً، ولأنها كانت تقع عند التقاء مياه نهرين، كانت الوسائل الأساسية في التنقل هي السفن، ويوجد فيها معبد الأله داكون دجن، والكثير من الأسواق والساحات والبوابات وهي بانتظار من يزيل عنها غبار الزمن المتراكم.

تجدر الإشارة إلى أن جميع مكتشفات تل البيعة الأثرية قد سرقت، وأن التل يعاني من التعديات والإهمال الكثير.