لكل السوريين

مفاوضات الإدارة الذاتية مع دمشق: الفرصة الذهبية

يقول الكاتب الشهير باولو كويلو: “ابحث عن الفرص التي تحقق أهدافك، فإن لم تجدها؛ اصنعها” وقد تكون عملية البحث، أو صناعة الفرصة هي من أعقد القضايا التي تواجه أطراف الحرب السورية، وقد فقد العديد منها الرصيد الذي جمعه عسكرياً عبر التعويل على رهانات خاسرة أو من خلال انتظار فرص لم تأت البتة.

ولعل قضية الإدارة الذاتية في شرق الفرات، أو بشكل أدق، شرقي شرق الفرات، باعتبار أن غربي شرق الفرات باتت منطقة تواجد روسي، وحكومي سوري، وبالتالي لا توجد موانع موضوعية لحل ما مع الحكومة السورية.

لعل هذه القضية هي التي ستُخرج سوريا من أزمتها التي تعيشها منذ تسع سنوات، فيما لو تقابلت الحكومة السورية، والإدارة الذاتية في شمال وشرقي سوريا، في منتصف الطريق، وتوصلتا إلى حل عقلاني يجنب البلاد مصيراً قاتماً، يكون نتاجاً لحالة اللاحل، كما هو حاصل الآن.

ترفض دمشق القبول بمشروع الإدارة الذاتية القائم، والاعتراف بخصوصية قوات سوريا الديمقراطية، وهذان المطلبان هما أس مطالب “الإدارة” التي تحكم المنطقة الأغنى في سوريا.

تعتبر دمشق أن الحل الأكثر عملانية هو القبول باللا مركزية الإدارية القائمة في الدستور الحالي وفق المادة (107)، بينما ترى “الإدارة” أن ذلك لا يلبي طموحاتها، خصوصاً بعد سنوات من مقارعة التنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها تنظيم “الدولة الإسلامية” خلال الفترة ما بين عامي2014 و2019، في حين تفضل موسكو أن تتوسع صلاحيات “اللامركزية الإدارية” المطروحة حكومياً، لأن تشمل حقوقاً ثقافية لمكونات المنطقة، خصوصاً للكُرد الذين يعانون من تمييز سلبي منذ عقود.

تدرك الإدارة الذاتية أن الوصول للحل المنشود يتطلب ضغطاً روسياً على دمشق، مشابهاً لما حدث إبان الهجوم التركي على مناطق شمال وشرقي سوريا أواخر العام 2019، حيث عقد الروس آنذاك اتفاقاً عسكرياً قضى بانتشار الجيش السوري على كامل الحدود السورية التركية، فيما عدا المنطقة الآمنة الممتدة من رأس العين إلى تل أبيض، وذلك تمهيداً للدخول في مفاوضات سياسية لم تحدث حتى الآن.

تحاول الولايات المتحدة جمع الأطراف الكُردية على طاولة واحدة تمهيداً لضمها إلى هيئة التفاوض، لإجراء مفاوضات مع الحكومة السورية في جنيف وفق القرار الدولي (2254) وهو ما يلاحظ من جولات الممثل الدبلوماسي للخارجية الأمريكية في شمال وشرقي سوريا، ويليام روباك ولقاءاته مع عدد من الأطر السياسية الكُردية سعياً لتقريب وجهات نظرها, وقد سعت المملكة العربية السعودية بالفعل إلى العودة للملف السوري من باب الملف السياسي، وذلك عبر استضافتها مؤخراً لعدد من أعضاء هيئة التفاوض، غير المحسوبين على تركيا تمهيداً لتوسيعها، عبر ضم عدد من التيارات والشخصيات المقربة من وجهة النظر الأمريكية والسعودية، لحل الأزمة السورية.

بينما تحاول موسكو سحب البساط من تحت أقدام واشنطن في مقاربتها للحل، عبر حث الإدارة الذاتية على إجراء مفاوضات مع الحكومة السورية تمهيداً للوصول إلى حل سياسي مقبول، وقد أجرت مؤخراً حوارات مع وفد الإدارة الذاتية في كل من القامشلي وحميميم، تلاها لقاء بين وفد “الإدارة” ومسؤولين حكوميين سوريين في دمشق.

كان الضغط الروسي واضحاً على الحكومة السورية لتصبح أكثر انفتاحاً على إيجاد حلول مقبولة للمشاكل العالقة بين الجانبين وخصوصاً تلك المتعلقة بالوضع العسكري والإداري وكذلك الاقتصادي، وأيضاً بالنسبة للحقوق الثقافية.

كانت روسيا هي الدولة الوحيدة التي سعت لعقد لقاءات بين الإدارة الذاتية والحكومة السورية بغية التوصل إلى اتفاق سياسي بينهما، خصوصاً بعد الإعلان الأمريكي عن نيته الانسحاب من سوريا، الأمر الذي دفع بقوات سوريا الديمقراطية إلى التعويل على الدور الروسي، حيث تدرك قسد أن لا حل مع دمشق إلا إذا رعته موسكو، على الرغم أن ما يجمع الجانبين أكثر مما يفرقهما بكثير، وقد يشكل الجانب الاقتصادي أحد أهم مفاتيح الحل بينهما، حيث تضم مناطق سيطرة “قسد” خزان سوريا النفطي، وقسم كبير من الغاز السوري، بالإضافة للثروة المائية، والزراعية.

لعل روسيا هي الطرف الأقدر على الضغط على كل من الحكومة السورية والإدارة الذاتية بغية التوصل إلى حلٍ مُرضٍ للجانبين، والعمل معاً على محاربة الفصائل الموالية لأنقرة التي لا زالت تسيطر على عدة مناطق بسوريا، من إدلب إلى مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام” حيث التغيير الديمغرافي الذي يجري على قدم وساق، وكذلك تتريك المناطق الخاضعة لسيطرة تلك الفصائل، لذا فمن الملحّ الآن جدية أكبر من الجانبين لاستثمار هذه الفرصة التي قد لن تتكرر مرة أخرى.

تبدو الفرصة مواتية الآن للإدارة الذاتية للوصول إلى حلول مرضية مع الحكومة السورية، فليس من الحكمة انتظار اللحظات الحرجة التي تلي توافق القوى الإقليمية والدولية على حساب مشروع “الإدارة” كتلك التي حدثت عند تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن “قسد” في حربها مع تركيا والفصائل التابعة لها أواخر العام الماضي، فالحال الآن مختلفٌ عما كان عليه في ذلك الحين، وعلى الجانبين معرفة أن أي خطأ في تقدير الحسابات سيكون غير محمود العواقب، وسيكون أشبه بخطأ اللغام، الذي تكون غلطته الأولى هي الأخيرة.

آلان حسن