لكل السوريين

ألوان من الحياة

عبد الكريم البليخ

-1أقرأ بشغف كلمات مجبولة بالحب، قوامها الصدق وتصوير واقع حياة، بقلم الصديق  والأخ فيصل أبو شادي على صفحته على “فيسبوك”، الذي عاد لينهض من جديد بعد غياب سنوات عن الساحة الإبداعية، وعن حمل القلم الذي ينسج من خلاله أفضل الصور في هذا العالم الصغير.. كلمات تنعش القلب بتسطيرها لواقع حياة طالما كان يسكننا بالخوف، وما زال يعاني ذلك من ظلَّ يعيش في تلك المدينة العاشقة لأبنائها.

ينسج كلمات مترعة بالحب تحمل في مضمونها كثير من ألوان الإبداع الذي يعيدنا إلى أيام الصبا، ومهما حاولنا أن نصوغ ما رسم من حروف جميلة، ومعزوفات تحاكي الضمير الحي وتصور حال أهلنا هناك وبدقة، فإننا نظل مقصرين عن اللحاق بركبه، وبعشقه للغة وتراكيبها.

مبارك أبو شادي هذه الصور الصاخبة التي أفرحتنا من الداخل، وأعادت إلينا بعض الأمل.

مبارك جهدكم ونظرتكم التي نعتزّ بها.. وهذا ما يجعلنا نعيد بعض حكاياتنا، وحواراتكم القيّمة، وجلساتكم المنعشة التي كانت تعقد في ذلك “الكوخ” الصغير الذي سبق أن لمّ شمل الكثير من أصدقاء الطفولة.. وكم وكم طُرح فيه من أسئلة، وأسئلة قيّمة تُلامس واقعنا الذي تحوّل اليوم إلى مأساة لا يمكن أن نفيق منها في ظل ما يعيشه الأهل هناك!

أقف وأعيد قراءة ما تكتبه مراراً بخطك الجميل، لا سيما أنّه نابع من عين خبيرة، وبلغتك المكثّفة التي تثلج الصدر، نستنشق منها جذور الماضي وحكاياته التي لا يمكن لنا أن نغفل عنها، ورؤيتك للحياة التي تبهرني بتصويرك الدقيق لواقع هشّ، واحتضانك للشباب ـ جيل المستقبل ـ الذي كنت بالنسبة لهم اليد الحانية، والأم الرؤوم التي كانت تدثرهم بدفئها.  تظلون بالنسبة لنا رمز الوفاء والطيب والأمل.. وستبقون.

2 ـ أرسم صورة شبيهةُ بالمفرحة وأنا أهمّ بركوب باص النقل الداخلي، هنا في النمسا، وأحاول الانتقال إلى أحد الشوارع الرئيسية في العاصمة “فيينا”. المحطة التي أنوي الذهاب إليها لا تبعد أكثر من 20 دقيقة بالباص عن أقرب محطة تبعد عن إقامتي، وهي عبارة عن قطع نحو ست محطات بالباص الحكومي.

في المحطة الأخيرة، محطة التوقف، يبدو أنّ النعاس غلبني لشدّة الإرهاق والتعب الذي كنت أعاني منه فتجاوزت المكان الذي عليَّ النزول فيه، وقبل توقف الباص في المحطة التالية أدركت ما أنا فيه من تهيئة أغراضي وتحضير حقيبتي اليدوية التي أحمل بها بعض لوازمي الخاصة لادرك الموقف والنزول في هذه المحطة، والتوجه إلى حيث وجهتي الرئيسة حيث مكتبة “تاليا” التي تحلو فيها القراءة والاستمتاع ببرودة الطقس ورتابتها وحسن تنظيمها، وتنجلي المتعة أكثر بالكتابة وتدوين ما يمكن أن يخطر على البال.

حكايات وألوان من الأحاديث والخواطر وتجميع للذكريات وطرحها بأسلوب ناضج وقريب إلى قلوب القرّاء، وهذا ما يمكن أن يبعث فينا نفح من السعادة التي نبحث عنها، والارتقاء بسلم الحاضر بعيد عن الماضي الذي لا زال يستجرنا للانغماس فيه ونحاول جاهدين تناسيه وتجاوزه!.

 

 

3 ـ أتطلع من نافذة مكتبة “تاليا” في شارع ماريا هيلفر الرئيسي إلى عموم الناس المارة الذين يتطلعون إلى قضاء يوم مشمس ومفرح في آن معاً بعد غياب استمر لأشهر عن الإشراقة التي كنا نستمتع بها وتفيض بها علينا في بلادنا التي رحلنا عنا عنوة، والتي بالكاد تغيب الشمس عن الظهور بدءاً من شهر مارس/ آذار وانتهاءً بشهر أكتوبر/ تشرين الأول وو. وفي هذه البلاد الجميلة المثيرة للإعجاب تعودنا على غياب الشمس الدائم واختفائها، والاكتفاء بإشراقات باهته لا أمل منها في اعطاء للحياة دورها بشكل متكامل، ورغم ذلك الغياب القسري إلّا أن البلاد التي نعيش فيها يغلب عليها الأمان والاستقرار، والمواطن فيها يعيش في راحة بال، وهذا الأهم.

 

5 ـ في مدينة “برلين” تكون الشمس أكثر حدّة منها في “فيينا”، والشوارع فيها عريضة والأرصفة واسعة في أغلبها، وخاصة تلك الموزعة في الأحياء الرئيسية، لدرجة أنه لا يمكنك أن تقارن بين أرصفة نيويورك وبرلين التي تفوقها من حيث المساحة والاتساع. وما يميّز فيينا ـ بعد أن تترك برلين وتهمّ في الدخول إلى أراضيها، وتتنفس بلا شك أجواءَها الباردة الرائعة التي تنعش القلب ـ حقول العنب التي تشتهر بها على مد النظر، فضلاً عن الانضباط والنظافة التي تتغنى بها.

تظل “فيينا” بلاد الدانوب الأزرق … وأحلام المفكرين، وتستأنس بهوائها العليل، وإن تغلبت عليها “برلين” بالصناعات الرائدة، مثال: الهندسة الكهربائية والإلكترونية والكيماويات والزجاج والسيراميك، وكذلك في مجال الصناعات البصرية والدقّة، أضف إلى أن عدد سكان برلين يتجاوز الـثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة، وهذا بالتأكيد يحتاج إلى كادر فنّي كبير وعمّال نظافة للإقلاع بخدمتها والحفاظ عليها كمدينة ألمانية لها أسمها وشهرتها، ولا يمكن أن نقارن ذلك بمدينة فيينا التي لا يتجاوز عدد سكانها المليون وسبعمائة ألف نسمة، وفي هذا الاستعراض لا يمكننا أن نغفل أنّ ألمانيا هي ثالث أكبر قوّة صناعية في العالم بعد الولايات المتحدة واليابان.