لكل السوريين

العاصمة دمشق والساحل.. الأولى للنساء، والساحل للأرامل

لا يكاد المتجول في أحياء العاصمة دمشق أو الساحل السوري وتحديدا طرطوس أن يلفت نظره لفة صغيرة حتى يشاهد أن أحياء المدينتين المذكورتين باتت شبه خالية من الرجال، وأصبح النساء هي الفاعل الرئيسي، لا سيما وأنها تمارس العديد من الأعمال لتأمين كل ما يحتاجه أطفالهن وذويهن.

وأصبح العديد من الناس يطلقون على دمشق مدينة النساء، حيث أن الطابع الأنثوي بات طاغيا على الذكوري، في حين يصف البعض أن طرطوس باتت تسمى بمدينة الأرامل، لا سيما وأن العديد من شبان المدينة قد لقوا حتفهم جراء الحرب المشتعلة في عموم سوريا.

سمية، سيدة بالغة من العمر 33 عاما، تعمل شيف في أحد مطاعم العاصمة، تبدو علامات التعب بادية على محياها، قالت “أنا مجبرة على العمل، من أجل إعالة أطفالي، زوجي توفي في العام 2013، وبذلك أرغمت على ممارسة مهن كانت حكرا على الرجال في المجتمع السوري”.

تعمل سمية مدة تصل لـ 10 ساعات في المطعم، ورغم ما يمتلئ به قلبها من أحزان، إلا أنها تجد نفسها مضطرة على الابتسامة بوجه الزبائن، وتؤكد أن الحياة باتت صعبة للغاية، متأملة أن تنتهي الأزمة في سوريا، مشيرة إلى أن النساء لم يعدن قادرات على مواصلة هذا الواقع المرير.

سمية التي حرمتها الحرب السورية من العيش بحياة هانئة مرهفة، تقول “راتبي 60 ألف ليرة، ومنزلي أجار، في غالبا الأحيان أقوم بجلب بقايا طعام المطع لأطفالي، كي لا أشتري طعام من السوق، لأوفر ذلك في دفع آجار المنزل”.

وتسبب موت أعداد كبيرة من الرجال خلال الحرب التي تشهدها سوريا وستدخل عامها العاشر منتصف آذار المقبل، وعمليات الخطف والاعتقال، في فقدان أعداد كبيرة من العائلات في مناطق سيطرة الحكومة للمعيل زوجاً وولداً.

وتؤكد منظمات حقوقية ومراكز دراسات، أن حصيلة ضحايا الحرب تقدر بـأكثر من نصف مليون قتيل، 350 ألف حالة منها تم توثيقها، يضاف إليهم نحو مليون شخص أصيبوا بإعاقات مباشرة، ونحو 200 ألف معتقل.

هذه الحال دفعت بكثير من النساء إلى ممارسة مهن وأعمال كانت حكراً على الرجال، والقيام بدور الأب المعيل والأم في آن واحد، وهي ظاهرة لم تكن مألوفة في سوريا قبل الحرب؛ حيث بات من المألوف مشاهدة فتيات يعملن في محال بيع الألبسة الجاهزة الرجالية والنسائية والسوبرماركت والحلويات والبوظة، وغيرها.

ومع تكتم المصادر الرسمية في البلاد على النسبة الحالية لعمالة النساء، للتغطية على الأعداد الكبيرة لضحايا الحرب، نقلت تقارير عن خبير اقتصادي من دمشق، رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، أن نسبة طغيان الطابع الأنثوي على الذكوري في الأسواق والأماكن العامة تصل إلى 80 في المائة.

وفي طرطوس، لا يختلف الحال كثيرا، فقد فقدت المدينة عشرات الآلاف من الشبان جراء الحرب التي لا تزال تلتهم أرواح الشباب، حيث أن مركز دمشق للدراسات والأبحاث أكد أن نسبة وفيات الذكور في الحرب تجاوزت الـ 80%.

ونتيجة لما سبق، فإن نساء مدينة طرطوس واللاذقية ومعظم مدن الساحل قد أصبحن أرامل، في حين أن مدينة دمشق فقد تحولت لأكثر العواصم التي أصبحت نسبة النساء العاملات فيها في مجالات كانت حكرا على الرجال، والسبب هو استمرار الحرب في سوريا.