لكل السوريين

المتبلة وجبة ساحلية تطفئ حرارة الصيف

تقرير/ سلاف العلي

تعد أكلة الحنطة باللبن من أطيب وألذ أكلات التراث الشعبي في الساحل السوري وتدعى أيضا باسم الطبيخ أو المتبلة وهي أكلة موسمية أي تطبخ غالبا في فصل الصيف لما لها من فوائد بتخفيف الحر وإرواء الظمأ.

تجمع حبات الحنطة وتنقى من الأوساخ والأحجار الصغيرة، ثم توضع بالقليل من الماء لمدة تتراوح من خمس دقائق ولغاية العشر دقائق، حسب نوع الحنطة ثم تصفى من الماء وتقشر باستخدام جرن دق الحنطة والذي ما زال موجود في بعض القرى الساحلية، حتى الآن حيث يتم دق الحنطة حتى يتم قشرها بالكامل، ويمكن الاستغناء عن الجرن بشراء الحنطة المقشورة الجاهزة، ويتم وضع الحنطة المقشورة بالشمس حتى تجف تماما ويسهل إزالة القشر عن الحنطة من خلال تعريضها لتيار هوائي أو بالنفخ عليها ثم يرش عليها الملح وتخزن للطبخ، ثم تسلق الحنطة المقشورة على نار هادئة مع القليل من الملح حتى يتم تفتح حبات بالحنطة بالكامل، وبعد الاستواء الكامل تتبل باللبن وتوضع حتى تبرد قليلاً بالبراد وتؤكل باردة.

السيدة عبلة أم محمود وهي مدرسة متقاعدة وفي السبعين من عمرها، ومن قرى ريف الدالية قالت لنا: سأشرح طريقة تحضير أكلة المتبلة، ولتحضير وجبة المتبلة خطوات عدة تبدأ بتحضير القمح المكون الأساسي للأكلة، وذلك بوضعه ضمن الجرن الحجري القديم المعروف بجرن الدق، وأبعاده حوالي خمسين سنتيمترا بخمسين سنتيمترا، ويمكن أن يكون بشكل دائري أو بيضوي أو مربع الأطراف، وارتفاعه حوالي الخمسين سنتيمترا، ويمكن أن يكون أقل في البعض منها، حيث نحت ضمن هذا الجرن الحجري تجويف بمقطع اسطواني بعمق حوالي ثلاثين سنتيمترا، ونصف قطر حوالي عشرة سنتيمترات، وربما تزيد قليلا أو تنقص قليلا، ولهذا الجرن مدقة حجرية لها شكل اسطواني غير مفرغة، ما يضفي عليها الوزن والثقل خلال عملية الدق ويجعلها أكثر فاعلية في عملها.

تعتبر أكلة المتبلة من الوجبات التراثية التي ارتبطت بالتراث الساحلي، لأن مصدر مكوناتها الأساسية وهو القمح المقشور واللبن الرائب من أهم منتجات الريف الساحلي، وهي وجبة الصيف المميزة بالنسبة لجميع أبناء الساحل، فمع حلول فصل الصيف وبدء ارتفاع درجة حرارة الطقس تبدأ النساء بتجهيز مكوناتها الأساسية والتفكير بصناعتها بشكل دوري، وهذا طقس متوارث منذ القدم، فمكونها الأساسي هو اللبن الرائب الذي يضفي الانتعاش من حرارة الصيف على متناولها، وهذا كله بعد رش حبات القمح بالقليل من الماء لتساعد بتقشيرها خلال عملية الدق، أو ما يعرف باللهجة العامية تتفتح حبات القمح، ولا ننسى تحريك القمح ضمن الجرن باليدين بعد كل اثنتي عشرة دقة، أما المكون الثاني لوجبة المتبلة وهو اللبن الرائب فيتم تحضيره قبل حوالي ثلاثة أيام، وذلك عبر إحضار الحليب الطازج وتسخينه حتى درجة الغليان ومن ثم تركه حتى يبرد قليلا لإضافة ما يعادل الكوب من اللبن الرائب إليه، وتحريكه جيدا حتى يختلط المكونان أحدهما بالآخر، ومن ثم تغطيته بقطعة قماشية وتركه حوالي أربع وعشرين ساعة وبعده رفع الغطاء عنه ووضعه في البراد، وهنا يكون المكونان الأساسيان للمتبلة جاهزان.

السيدة نجلاء في ريف الدريكيش الخمسينية، اضافت وقالت: تميزت وجبة المتبلة بغناها بالفيتامينات والبروتينات، وتعتبر وجبة أساسية لفترة الظهيرة وخاصة بعد يوم عمل متعب، فبعد الانتهاء من عملية الدق وتشميس القمح فترة من الزمن، نضع القمح على نار الحطب الهادئة ونضيف إليه الماء حتى تمام الغليان والنضج، ثم يرفع عن النار ويترك حتى يبرد ليضاف إليه كمية محددة من اللبن الرائب تقدر بحسب كمية القمح المطبوخ، ويخلط جيدا بواسطة ملعقة كبيرة، ليكون جاهزا لوضعه في البراد حوالي ثلاث ساعات ومن ثم تناول الوجبة باردة ومنعشة، وبينت: هي من الوجبات التراثية القديمة جدا المنتشرة والمعروفة بشكل كبير في قرى الساحل السوري، ويتم المحافظة على أصالتها وطريقة تحضيرها المتوارثة منذ عقود طويلة، فهي وجبة ارتبطت بفصل الصيف،وجبة المتبلة من الوجبات التراثية الأساسية للفلاح والعامل بالمجهود العضلي، فهي ذات قيمة غذائية كبيرة كما وجبة البرغل بحمص، وقد أوجدتها طبيعة الحياة وتوافر المكونات الأساسية لها، حيث تعتبر هذه الأكلة من الوجبات المبتكرة التي تسجل لمصلحة نساء الريف اللواتي توارثن طريقة صناعتها من الجدات بكل شوق، ولا ننسى أن توارث طريقة صناعتها كانت كاملة حتى صوت أثو الذي تطلقه السيدة من فمها خلال عملية دق القمح تم توارثه و تواتره شفهيا.