لكل السوريين

صناعة الفخّار تتراجع في حماة.. الأسباب متعددة

حماة/ جمانة خالد 

بحسرة تعلو ملامح وجهه يتحدث رائد وهو رجل في الأربعين من عمره، ويمتلك محلاً لصناعة الفخار في السوق الطويل وسط حماة، عن مقاومة هذه الحرفة مصير الزوال الذي ينتظرها والتحديات التي يواجهها خلال عمله.

ورث رائد الحرفة أباً عن جّد، لكن يغص بسبب تراجع هذه المهنة نتيجة الظروف الراهنة والتي تحكم على هذه الحرفة بالهلاك، فالكهرباء بانقطاع مستمر، ما يضطره إلى تكبد تكاليف مادة المازوت لتشغيل مولدة الكهرباء من أجل صهر الفخار واكتسابها لونها البرتقالي الصلب، وغالبا ما تكون الأولى مفقودة بالسوق، فيشتريها بسعر مرتفع وبالتالي تخفيض ساعات العمل ورفع الأسعار.

يلفت رائد إلى غلاء المواد الأولية للفخار، بدءا من ثمن التراب وأجرة العمال والشحن، فسابقا كان سعر الطن الواحد 100 ألف ليرة سورية، فيما وصل سعره الآن حوالي 700 ألف، أي ارتفع ستة أضعاف.

يعبر الكثير من الحرفيين عن مخاوفهم من انقراض المهن إذا ما استمرت ظروف الكهرباء، وتعويض خسارتهم التي تسببت بها الحرب.

ويطور الحرفي صنعة الفخار التي تعلّمها من والده بجهوده الشخصية، كاستبدال الحطب بفرن كهربائي لشّي الفخار إلى جانب التزيين بالرسوم وحفر النقوش الناعمة لإضفاء لمسة جمالية على الفخار.

ويقول رائد قديماً كانت أدوات الفخار تقتصر على بضعة أدوات للمطبخ كالمقلاة وجرة المياه والكؤوس، أما الآن فأصبح كل شيء مصنوع من الفخار كالشلالات وركوات القهوة ومطمورة النقود وجميع أواني المطبخ وطاولات المنزل وإدخال أشكال وزخرفات عصرية.

لم يشفع التاريخ الطويل والعريق لصناعة الفخار السوري الممتد إلى العصور القديمة منذ الألفية الخامسة من التهديد بالاندثار، فأقدم حرف التاريخ الذي ينسب لها تقاوم، وبدأت بلفظ أنفاسها الأخيرة، طالما بقيت الجهات المعنية مكتوفة الأيدي لا تحرك ساكن، فمظاهر الإهمال والتقصير والوعود الكاذبة تنهش بهذه الحرفة لتصبح في طي النسيان ولا محاولات جدية لإنقاذها.

يحفظ الفخار طاقة الأطعمة والمياه ويسحب الكلس والكلور الموجودين في مياه الينابيع وذلك بفعل التراب المصنوع منه والذي ينقسم إلى نوعين، الأول تراب جبلي ينتشر على أطراف الأنهار والثاني كلسي يتواجد في باطن الأرض، كما أن الطبخ بالفخار أكثر صحي ويخلو من المواد المسرطنة على خلاف الأواني الأخرى المصنوعة من الألمنيوم و النحاس والتيفال.

ورغم أن عملية صنع الفخار تبدو لأعين الزبائن سهلة وبسيطة، إلا أنها صعبة وتتطلب موهبة وجلداً كبيرين من الحرفي، كما تستغرق وقتاً طويلاً لصنعها وظهورها بشكلها النهائي الذي تظهر فيه، فهي تمر بعدة مراحل حيث تُحضر أطنان من التراب ثم يُسقى بالمياه بهدف غربلته من الحصى والأوساخ والشوائب لتخليصه من مادة الغضار.

بعد ذلك يتم طحنه وعجنه بطريقة يدوية، إيذاناً لمرحلة التخمر التي تستغرق حوالي أسبوع، ثم توضع كل قطعة على دولاب، بعد ذلك تبدأ مرحلة الطهي، توضع في الفرن لمدة ثلاث ساعات بدرجة حرارة عالية، وكلما طُهيت أكثر كانت أكثر صلابة وتماسكاً حتى تكتسب لون محمر جميل.

وتختلف درجة الشواء ومدة الطهي حسب حجم القطعة، فالنوع البسيط كالبسكوت يتطلب درجة حرارة 800 درجة مئوية، بينما تحتاج الآواني الملبسة بالزجاج درجة حرارة أعلى قد تصل إلى 1000 درجة مئوية لمدة لا تتجاوز 9 ساعات في حال وجود الكهرباء، أما إذا انقطعت الأخيرة أو فُقدت مادة المازوت فقد تستغرق أسبوع كامل للطهي.