لكل السوريين

مع ذكريات مجلة “الصقر”

 عبد الكريم البليخ

عندما زرت الدوحة، لأوّل مرّة، في عام 2006، التقيت على إثرها فريق العمل المفرّغ في مجلة “الصقر” قبل أن تحتجب عن الصدور للمرة الثانية في نهاية الربع الثالث من عام 2007.. حيث تشاء الظروف أن يلمّ شمْلَنا مع طاقمها الحصيف، لقاء جميل وسار، طالما أتْحِفنا به يقيادة المايسترو، الأستاذ طيّب الذكر سعد محمد الرميحي رئيس التحرير، الذي كان يشغل في حينها، إضافة إلى عمله،  منصباً رفيع المستوى، وهو الذي لم يتغير، كما هو حال الزمن المتغير الذي غيّر الكثير من النفوس، ومزايا الأشخاص الذين طالما نلتقيهم، سواء أكان ذلك بطابع شخصي أو حتى معنوي، أو إن كان ذلك بمفهومه الوظيفي، والتوصيف الذي يتملكه، لا سيما أن هذا الاستعداد لم يبقَ معلقاً بصاحبه طوال الزمن، وإنما قد يضطّرك واقع الحال إلى تغيير جلدك.

نعم هو التغيير، وهذا التغيير بحد ذاته هو اسطوانة العصر المتغيّر الملامح! كما هو حال الأغنية العربية التي تراجعت وبشكلٍ مرعب وحتى مخيف، بعد أن كانت صرخة مدويّة في الآفاق، وفي عالم جميل وأخّاذ، بدءاً من النجمة المبهرة، طيّب الله ثراها، مطربة الشرق، أم كلثوم، محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش، عبد الحليم حافظ، وقائمة طويلة وواسعة من المطربين والمطربات الذين نتلمّس من خلالهم صلة الوصل والرابط الحقيقي الوجداني الرفيع لهؤلاء الأسماء الكبيرة مقارنة بذلك مع نجوم الكرة أيام زمان الذين طواهم الزمن، ووضعهم ـ وللأسف ـ على الرفّ، بالرغم من أن ذكراهم ما زالت باقية إلى اليوم، ولا يمكن بحال نسيان نجومها الكثر الذين حفروا بأسمائهم، بأحرف من ذهب، علم الرياضة العربية المتفوقة سواء من خلال مشاركاتها المتفرّدة في بطولة كأس العالم عام 1978 التي أقيمت في أمريكا الجنوبية بالأرجنتين، على وجه التحقيق، ومثّل العرب آنذاك المنتخب التونسي الذي كان لنجومه الكبار بريق لافت تابعهم بشوق عشّاق الكرة المستديرة، ومن أبرز نجومها الذين شاركوا في حينها: تميم الحزامي، طارق ذياب، علي الكعبي، مختار ذويب، نجيب الامام، عبد الرؤوف بن عزيزة، خالد القاسمي، عمر الجبالي، حمادي العقربي، نجيب غمّيض، وحارسي المرمى الصادق ساسي “عتّوقة”،  ومختار نايلي.

وفي هذا الإطار لا يمكن أن ننسى نجوم كرة القدم العربية في عصرها الذهبي الذي يمكن أن نطلق عليه عصر (الزمن الجميل)، بمعنى آخر أنّه ما بين عام 1978ـ 1990 كانت قمّة الفرحة العربية، والقفزة الحقيقية لها بظهور العديد من الأسماء اللامعة التي لا يمكن لها أن تغيب عن الذاكرة، أو ننساها، ومنهم:

منصور مفتاح، مبارك عنبر، حسن القاضي، محمد دهام (قطر)، جاسم يعقوب، فيصل الدخيل، حمد بو حمد، أحمد الطرابلسي، عبدالله معيوف، عبد العزيز العنبري(الكويت)، محمود الخطيب، حسن شحادة، فاروق جعفر(مصر)، ماجد عبدالله، صالح النعيمة (السعودية)، عبدالغني طاطيش، هيثم برجكلي، مروان قسطلي، شاهر سيف، كيفورك مارديكيان (سوريا) حسين سعيد، رعد حمودي، واثق أسود، فلاح حسن، دوكلس عزيز، عادل خضيّر، هادي أحمد، حسن فرحان، علاء أحمد، عدنان درجال (العراق)، حمود سلطان (البحرين)، الأخضر بللّومي (الجزائر) و..و..وأسماء أخرى كثيرة وكثيرة جداً.

مجمل هذه الأسماء الكبيرة اللامعة التي ما زالت الذاكرة تحتفظ بهم طواعية دون إكراه أو إلزام، وإنما مجرد ذكر كرة القدم، فإنَّ هذه الأسماء وغيرها يبقى لها وهجها الخاص والمفرح.

وإذا ما حاولنا ـ على سبيل المثال ـ أن نتذكر بعض الأسماء التي شاركت في مسابقة كأس العالم  لكرة القدم التي نالت روسيا شرف اقامتها في نسختها الحادية والعشرين، في صيف العام الماضي 2018، وكذلك في بطولة كأس الخليج الرابعة العشرين التي احتضنتها دولة الإمارات العربية في أبو ظبي في الخامس من كانون الثاني/ يناير حتى الأول من شباط / فبراير 2019…  وكذلك بطولة كأس العرب التي احتضنتها الدوحة مع نهاية العام الماضي 2021  وفازت ببطولتها الجزائر بفوزها على الفريق التونسي وبمشاركة 16 فريقاً عربياً. . فإن الذاكرة بالتأكيد تخونك، وتقف عاجزاً عن ذكر بعض من الأسماء المشاركة بالرغم من أنَّ المشاركة في تلك البطولات لم يفت عليهما زمن طويل على طي صفحاتهم، والسبب في ذلك هو، أنَّ الرغبة حيال هذه المسألة خفّت كثيراً جداً، وهذا الانحدار العجيب أسبابه بالتأكيد معروفة بسبب خلو الساحة العربية من حبّ كرة القدم بالشكل الذي انطلت عليه أيّام زمان، وغياب الحب الحقيقي الذي كان يفرضُ نفسه وبرغبة ذاتية خالية من أي مكسب مادي.

فالاهتمام كلّه كان منصباً على المشاركة، واحترام اللعبة، وايلائها اهتماماً مميزاً، بغض النظر عن وجود الملاعب الترابية، والحفريات التي تجدها متناثرة هنا وهناك في ساحة الملعب، وغياب التخطيط عن الإطار الذي يحدّد حواف ملعب الكرة، وقد تضطّر إلى متابعة المباراة تحت ظرف حار جداً، أو بسبب الطقس البارد، وقد يكون ممطراً وموحلاً، وغياب أبسط مقوّمات اللعبة.

أما اليوم، فرغم توافر كل شيء، فإن الرغبة في حضور أحد شوطي المباراة نجده تقلص كثيراً عن السابق، ويكتفي المتفرجون بالوجود لفترة زمنية قد تطول إلى ثلاثين دقيقة، وقد تقتصر إلى أقل من ذلك، بمجرد مشاهدتها فقط! ومن ثم الالتفات إلى الوراء والعودة إلى رؤية فيلم سينمائي، أوDVD ، أو التنزّه والسير مع رفاق السوء، وارتداء زي الموضة المتعفّنة، وضياع الوقت بدلاً من استثماره في أشياء مهمّة.

فأين يكمن موقع (الصقر) حيال هذه الصور الذي عودنا على البحث عن الجديد المفيد من خلال كوكبة نشطة من المحرّرين والفنيين، وهذا يقودنا إلى حال الغداء الفاخر الذي فزنا به، والذي تشرف بإحضاره زميلنا العزيز منصور الشيخ ـ المحرر العام في نهاية يوم الخميس، في آخر أسبوع قبل مغادرة الدوحة، بعد أن أنجز، والزميل مبارك عمر سعيد ـ سكرتير التحرير، رحمه الله، ملزمات العدد الـ: 16 وأودعاها المطبعة لتصبح جاهزةً للشحن يوم الجمعة، ولتكون بين يديك عزيزي القارئ مع إطلالة صباح كل يوم ثلاثاء.

فالحب، كل الحب.. والوفاء، الإخلاص للزميل العزيز الأستاذ سعد محمد الرميحي، رئيس التحرير، الذي طالما أتحفنا بمقالاته الرائعة، الرصينة، وإن غابت عن الظهور منذ وقت طويل عن الساحة الرياضية ومغرياتها، واشتقنا إليها، كما حال شاعرنا الجاهلي عنترة بن شداد، حيث قال مخاطباً معشوقته:

أحن إليكم في كل وقتٍ وساعةٍ.. وأشتاقكم شوقَ العطاشِ للوردِ

وعندكم سمعي ولبّي وناظري.. وتذكاركم عندي ألذّ من الشهدِ

إلاَّ أنه للأسف، افتقدناها بسبب انشغالاته الكثيرة، ومسؤولياته الكبيرة، ورغم ذلك فإنه يبقى لها وهجها الدائم، وعزاؤنا الوحيد هو إشرافه المتواصل، وحرصه الشديد على متابعة ما كان ينشر في المجلة، وبدقّة متناهية، قبل دفعها إلى المطبعة..وهذا ما نلّمسه من خلال المواد المنشورة فيها، والتي تتزيّن بها صفحات المجلة باضطراد.

في الواقع، هنا يكمن تواجد الزميل رئيس التحرير، الذي عايشناه على مرّ السنوات الماضية من عمر هذه المطبوعة، على الرغم من غيابه عنّا من خلال خواطره الأسبوعية الفيّاضة، وانتقائه الجملة البسيطة، والكلمة الرقيقة الحيّة، التي تبقى في الواقع الزهوة الحقيقية للأستاذ سعد الرميحي، أطال الله في عمره.

ما أتمناه، ويتمناه الكثيرون غيري من زملاء، وقرّاء، هو عودة “الصقر” إلى ما كانت عليه، فضلاً عن عودة الزميل العزيز الأستاذ سعد محمد الرميحي رئيس التحرير إلى خواطره الرقمية الرائعة، كما عوّدنا عليها.. فنحن بشوق دائم إليها، وإلى قراءتها، والتزوّد منها، وهي دعوة نأمل لها التحقيق.

ولا يفوتنا أن نذكر، في هذا الإطار، جهود الزملاء العاملون في المجلة، الذين كانوا يواصلون العمل فيها الليل بالنهار، حتى تصدر بهذه الشاكلة التي كنا نقرأها مع إطلالة صباح كل يوم ثلاثاء، من أمثال: الزميل مبارك عمر سعيد سكرتير التحرير،  الذي انتقل الى الرفيق الأعلى، مبرمج الكلمة والموغل في تاريخها، والمايسترو المبدع وسط الميدان مجدي زهران، الحريص دائماً على تقديم الجديد المفيد، وشاعر الكلمة الوجدانية الخبير محمد بنّيس، والمتابع النشط  قلب الهجوم، فايز عبد الهادي، والمبحر في عالم الكرة قلب الدفاع المتقدم، محمد الجزولي، والمحترف القابع وراء الكواليس الجناح الهداف، منصور الشيخ، وصاحب الصورة الأبهى الممتع أحمد الأمين.. وبقية الزملاء من محررين، وفنيين، ومراسلين.

هكذا هي حال كرة القدم العربية، وجمهورها العاشق، ولاعبوها، ونجومها الكبار الذين قضوا أجمل أيام العمر.. وقضينا نحن أحلاها مع (الصقر)، بأكل السمك وشراب التمر هندي.