لكل السوريين

حصار فرض الإستسلام

صالح مسلم

حصار مشدد تفرضه السلطات السورية على حيي الشيخ مقصود والأشرفية منذ 13 آذار، تلك المنطقة التي تضم أكثر من مائتي ألف سوري من كرد وعرب وتركمان وأرمن، أي مسلمين ومسيحيين وعلويين وإيزيديين الذين حاولوا ويحاولون النجاة من بطش النظام وعنجهية أجهزته الأمنية.

الأحياء الشمالية والغربية في حلب التي تضم الأشرفية والشيخ مقصود والسريان وبستان الباشا وصولاً إلى الهلك والحيدرية ضمت أكثر من نصف مليون نسمة من كافة المكونات السورية بأغلبية كردية وشكلت المصدر الرئيسي للأيدي العاملة للصناعات التي اشتهرت بها حلب، بالإضافة إلى العمالة منخفضة الأجر في كافة المرافق الحلبية والسورية. أي أن تلك الأحياء ضمت الكادحين والعمال والفقراء على الأغلب. ونظراً للمجتمع الكردي المنظم الموجود فيها استطاعت هذه الأحياء أن تتماسك وتقاوم الفصائل الجهادية الإرهابية التي توجهت إلى عموم الشمال السوري بإيعاز من ربيبتها الفاشية التركية، واستطاعت هذه الفصائل التقدم في أحياء حلب الأخرى ما عدا تلك المنطقة، نظراً لأنها اصطدمت بمقاومة شرسة ومستمرة في تلك الأحياء إلى أن تم تحرير حلب وعودة النظام بأجهزته الأمنية ومناصريه إلى الأحياء الأخرى من حلب.

خلال مقاومة تلك الأحياء استطاع القاطنون فيها تنظيم أنفسهم في مجالس مدنية ودفاعية عسكرية وأقاموا علاقات وثيقة مع من وقف إلى جانبهم، أي مؤسسات الإدارة الذاتية الديموقراطية وقوات سوريا الديموقراطية في المناطق المتاخمة ومنها على وجه الخصوص وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، ونظراً لأن سكان تلك المناطق صمدوا وحققوا وحدتهم وأسسوا تنظيم مجتمعهم دون أي عون من النظام، وكانوا جداراً منيعاً أمام الموجات الشرسة للغزاة الذين لم يتورعوا عن إستخدام الأسلحة المحظورة بما فيها الكيميائية، ورغم ذلك حافظوا على جبهتهم وحالوا دون تقدم الجهاديين إلى حلب والإستيلاء عليها، مثلما لم يرغبوا في العودة مرة أخرى إلى أحضان النظام والإستسلام إلى أجهزة النظام الإستخباراتية التي انتشر فيها الفساد والتعسفية إلى أبعد الحدود.

النظام السوري الذي نظر إلى المجتمع السوري بكافة مكوناته وإنتماءاته نظرة القطيع ويعتبر نفسه راعياً لذلك القطيع، وكان هذا سبباً في إندلاع ثورة الشعب السوري ليطالب بالحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، مما أدى إلى فتح المجال أمام القوى الإقليمية الطامعة لتقوم بالتدخل بشكل سافر في الشأن السوري وصل إلى درجة أجزاء غالية من الأرض السورية، بهدف تحقيق مطامعها القذرة، ولهذا بات على الشعب السوري مقاومة الفصائل الجهادية وداعميها من جانب، وألاعيب النظام السوري من الجانب الآخر، وهذا ما فعلته تلك الأحياء وصمدت وضحت بشبابها وأطفالها ونساءها ثمنا لذلك الصمود.

لقد ظهر أن النظام السوري لم يستنبط الدروس من السنوات العشر التي جلبت المآسي والآلام للشعب السوري وحتى للنظام السوري بذاته. وقد ظهر ذلك جلياً في المناطق التي أعاد سيطرته عليها بمساعدة القوى الخارجية، إبتداء من درعا ووصولاً إلى حماة وحمص وحلب، فالأجهزة الإستخباراتية لا زالت تعد أنفاس المواطنين، وشعب التجنيد تجند من تصل إليه أياديها لتسخيرهم في قتال أخوتهم في الوطن، ولا يقبل النظام بأي حوار مع المكونات السورية في سبيل تعديل سلوكه الإستبدادي ولا يقبل بمنح الشعب السوري بعضاً من الحرية وحقوق الإنسان. ولا زال يتمسك بذهنيته القديمة ويسعى إلى العودة إلى ما قبل عام 2011، بينما الشعب السوري يرفض ذلك ويقول : نعم نحن سوريون ولكن نحتاج إلى أسس جديدة ونظام جديد يضمن لنا كرامتنا وحريتنا وثقافتنا المتنوعة.

النظام السوري والشعب السوري لا زالا يقارعان الإرهاب في مناطق مختلفة، والمنطق السليم يقول “إذا كنت تواجه مخاطر خارجية فعليك بتعزيز وتقوية جبهتك الداخلية”. وهذا لا يمكن تحقيقه بالظلم والإستبداد والعنف والحصار والتجويع ومنع الأدوية والمستلزمات الحياتية مثلما يفعله النظام في حيي الأشرفية والشيخ مقصود، فالشعب السوري في تلك الأحياء لم يرضخ للإرهاب ولا لأسلحتهم الكيميائية، مثلما لم ينزلق إلى الألاعيب العثمانية ومكائدها، ولهذا يستحق الثناء والشكر وتقدير صموده وثباته، وهذا موقف يستدعي فخر وإعتزاز كل سوري. بينما يعاقبهم النظام السوري بالحصار والتجويع.

للأسباب المذكورة ندعو من تبقى من عقلاء وطنيين ضمن النظام السوري إلى العودة عن هذا الخطأ الكبير ومراجعة ممارساتهم غير المقبولة نحو الشعب السوري، لأن مثل هذه الأخطاء لا تزيد الشعب السوري إلا سخطاً وكراهية للنظام، ولا يخدم أية جهود تبذلها الأطراف المختلفة من أجل تحقيق الاستقرار والسلام في الوطن السوري.