لكل السوريين

أوجالان.. والأوجالانية(3)

صالح مسلم

إطلاق أول رصاصة جاءت مفاجئة للفاشية التركية التي تعتز بقوة وقسوة جيشها عبر التاريخ. ولهذا اعتقدت وأقنعت داخلها وخارجها بأن هذا مجرد حركة من قطاع طرق متمردين وأن الدولة التركية ستقضي عليهم خلال أيام، وبدأت بحملة قمع واسعة في كل شمال كردستان وجنوبها، مع حملة سياسية وديبلوماسية واسعة على الصعيد العالمي بدعم من الناتو ومؤسساته العلنية والخفية، حيث صرح سليمان ديميريل رئيس الجمهورية قائلاً : “سيتم القضاء على هذا التمرد مثلما تم قمع التمردات الثماني والعشرين السابقة”.

بعد أن تحقق لأوجالان ورفاقه معسكر يتمكنون فيه من تعليم وتدريب كوادرهم، وأثبتوا وجودهم وجديتهم في النضال بدأت علاقاتهم تتأسس مع الأطراف الفاعلة إقليمياً ودولياً في أجواء ساخنة في الشرق الأوسط ومتاهاته السياسية والديبلوماسية. وسوريا كانت الدولة التي تعاني من الجار السيء تركيا على مدى تاريخها الطويل، بل حتى قبل إستقلالها إبتداء من قضية الإسكندرونة وليس إنتهاء بقضية المياه وأطماعها بأجزاء أخرى من التراب السوري، مما مهد الطريق أمام تعاطف سوري مع أوجالان ورفاقه. وفي سؤال لأحد الصحفيين عن علاقة أوجالان بسوريا أجاب : “لدينا مصالح مشتركة وصداقة، وكل ما نتمناه من أصدقائنا أن لا يحاربوننا حيثما نتواجد”. وسمحت سوريا بفتح مكتب لأوجالان في دمشق مثله مثل مكاتب حركات التحرر الإثنتين والسبعين في دمشق. وهكذا استمرت العلاقة بين الطرفين دون تقديم أي دعم مادي أو سياسي. ولكن هذه الصداقة جعلت من سوريا هدفاً للمكائد والألاعيب والحرب الخاصة التركية، بالإضافة إلى أطماعها السابقة. كما منحتها ثقلاً دولياً نظراً لأن حزب أوجالان كان يحظى باهتمام الناتو.

السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو : هل بدأ العداء التركي لسوريا مع أوجالان؟ بالطبع لا، فالدولة التركية تكره العرب والعروبة تماماً وتعتبرهم سبباً في إنهيار الدولة العثمانية، ومشروعها “حدود الميثاق الميلي” يتضمن كل الشمال السوري والعراقي بما فيه كركوك، وسوريا هي رائدة التيار القومي العربي. وتركيا كانت من أعضاء حلف السنتو وحلف بغداد والناتو التي هددت سوريا باستمرار، وهددت بإحتلال سوريا مراراً أبرزها كانت الحشود التركية والناتو على الحدود السورية عام 1957 . ولهذا وظفت كل إمكانياتها مرة أخرى لمحاربة حزب العمال والضغط على سوريا، بما في ذلك علاقاتها مع إسرائيل لإغلاق المعسكر في البقاع، إلى أن نجحت في ذلك عام 1992.

في هذه السنوات كانت الحرب التركية على الشعب الكردي في شمال كردستان تتصاعد بكل أساليبها ووسائلها القذرة، إبتداء من إرغام القرويين على أكل البراز وصولاً إلى قتلهم في جرائم مجهولة الفاعل، حيث تم قتل ما يزيد على سبعة عشر ألف كردي من شباب ورجال أعمال وصحفيين وكتاب ووجهاء، بالإضافة إلى إعتقال عشرات الآلاف والتعذيب حتى الموت، وإحراق وتفريغ آلاف القرى من سكانها كما فعلت الدولة العثمانية والجمهورية التركية مع كل تمرد كردي. ولكن الكرد الذين تم تهجيرهم إلى المدن حملوا معهم ثورتهم وصحوتهم أيضاً.

الدولة التركية في حربها على أوجالان وحزبه الذي بات يمثل الكرد أينما كانوا، سخرت كل علاقاتها وتحالفاتها وسياساتها وديبلوماسيتها في هذه الحرب. فهي استفادت من الناتو ومؤسساته السرية مثل الـ”غلاديو” والعلنية لوضع حزب العمال الكردستاني على قائمة الإرهاب، دون أن يرتكب الحزب أي عمل إرهابي، أو أي لجوء للعنف خارج حدود الدولة التركية، وما مارسه من عنف في الداخل فقد كان ضمن إطار الدفاع المشروع. إلى درجة أن تلك الأجهزة السرية ارتكبت جرائم حاولت تلبيسها لحزب العمال، داخلياً قتل الأطفال والقرووين وخارجياً مثل إغتيال رئيس وزراء السويد، ومحاولة إغتيال البابا ولكنها فشلت والمحاكم الأوروبية كشفت حقيقتها.

النداءات المتكررة من حزب العمال الكردستاني لوقف إطلاق النار واللجوء إلى الحوار اصطدمت بالتعنت التركي وأصابها بالإحراج سياسياً، فما كان منها إلا أن تلجأ إلى حلفائها مرة أخرى لترتيب مؤامرة للقضاء على شخص أوجالان، وهكذا وبعد فشل عدة محاولات إغتيال، تم حبك مؤامرة دولية كبيرة من طرف الناتو شاركت فيه كل الدول العظمى تقريباً أي الولايات المتحدة، أنكلترا، ألمانيا، اليونان، روسيا، إسرائيل، كينيا ومصر وبالطبع تركيا. أفضت إلى أسر أوجالان من طرف المخابرات الأميريكية وتسليمه إلى تركيا في 15 شباط 1999. وتم إجراء محاكمة صورية عاجلة أصدرت حكماً بالإعدام ليتم تعديله إلى السجن المؤبد، حيث لا زال موجوداً في سجن إنفرادي على جزيرة غير مسكونة في وسط بحر مرمرة. ومنعت عنه زيارات الأهل والمحامين منذ ست سنوات.

(يتبع..)