لكل السوريين

“الإخوان” المسلمون أم الكاذبون؟

منير أديب

مارست جماعة “الإخوان المسلمين” العمل الدعوي على مدار 10 سنوات كاملة. بعدها، وتحديداً عام 1939، أعلن مؤسسها الأول حسن البنا انتقال تنظيمه من خانة «الدعوة» إلى خانة «السياسة» بكل ما تحمله من تلوّن وعدم وضوح وكذب، شأن كثير من الحركات السياسية أو بعض السياسيين في كل مكان وفي أي موقع.

وفي الحقيقة يستخدم «الإخوان» الكذب منذ أن كانوا يمارسون العمل الدعوي وقبل أن ينتقلوا إلى مربع «السياسة»؛ من منطلق ديني ملتبس وغير واضح بالمرة وهو «التقيّه».

تبدو حالة الخداع هذه التي مارسها البنا واضحة عندما فاجأ أنصاره والمحيطين بدعوته ومن دون سابق إنذار الانتقال إلى العمل السياسي والعسكري معاً بعد عقد كامل من الممارسة الدعوية. فقد أعلن في المؤتمر الخامس استخدام القوة في ما لا يُجدي غيرها فيه، وكان ذلك إيذاناً بتدشين النظام الخاص، الذراع العسكرية للجماعة، وكان ذلك عام 1940.

نحن نفرّق هنا بين واقع التنظيم ومخيال أبناء التنظيم وقادته، الذين يرون أن التحوّل سمة من سمات أي حركه، وبالتالي من حق البنا أن ينتقل إلى العمل السياسي والعسكري، كما من حق أتباعه أن يعتذروا عن «التنظيم» لا أن يصفوه بالكذب.

هذا الكلام قد يكون صحيحاً من الناحية النظرية، ولكنه لا ينفي صفة الخداع عن زعيم التنظيم الأول وزعمائه الذين أتوا من بعده وتعاملوا بالسياسة نفسها، ولعل هؤلاء هم من قرروا فجأة إنشاء ميليشيات مسلحة وفرق اغتيال منها: “سواعد مصر”، “حسم” و”لواء الثورة”، فوضعوا كل «التنظيم» في موضع لا يُحسد عليه وهو ما دفع الآلاف لتجميد عضويتهم وكأنهم يرون صورة جديده للتنظيم الذي نشأوا فيه.

وفي الحقيقة، تفاجأ أنصار البنا من تحوّل التنظيم إلى العمل السياسي بعدما مارس «الدعوة» 10 سنوات كاملة من دون أن يدخل حلبة السياسة بكل تشابكاتها، ليس ذلك فحسب بل تحوّله إلى العمل المسلح أيضاً، حيث تم إنشاء نظام «الكتائب» والتي كان يُعد فيها «الإخوان» الذين كان يقع عليهم الاختيار حتى يكونوا أعضاء في الذراع العسكرية للجماعة، بعدها تم تعميم رسالة التعاليم على أفراد «صف الإخوان» فأنشأ قادة «الإخوان» تنظيماً شبه عسكري.

حالة التحوّل هذه عاشها التنظيم عبر مراحله المختلفة، سواء الحديثة أم حتى القديمة، فما قالة محمود الصباغ أحد قيادات الذراع العسكرية للجماعة في كتابه، حقيقة التنظيم الخاص ودوره في دعوة “الإخوان المسلمين”، دليل على كذب ومراوغة «الإخوان» ومؤسسه الأول حسن البنا، إذ قال إن “حسن البنا كان يمارس هذا النوع من الخداع والكذب في البيان الذي أصدره بعد نسف محكمة استئناف القاهرة والتي كان ينظر فيها ملف قضية السيارة الجيب».

يفسر الصباغ ذلك قائلاً: «أصدر حسن البنا بياناً يتبرأ فيه ممن قاموا بهذا العمل الإرهابي، والذي وصف فيه القائمين على التفجير بأنهم ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين، ليساعد على تخفيف حدة الضغط على الإخوان، وهو أمر جائز شرعاً في الحرب ويُعدّ من خدعه».

وصف حسن البنا من قاموا بتفجير محكمة استئناف القاهرة بأنهم ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين، برغم أن من وصفهم بهذه الصفات، هو نفسه من أعطاهم السلاح ورباهم على القتال، ووفر لهم الحماية أيضاً، وأبقى على هذا النظام في ما بعد هذه العملية وغيرها من العمليات الإرهابية.

حتى أن حسن البنا مات، والذراع العسكرية ما زالت تعمل وتواجه من يخالفها بالتصفية الجسدية، وهو ما يؤكد ما قاله محمود الصباغ بأن بيان البنا كان مجرد مراوغة ليس أكثر بعد الهجوم الذي تعرّض له التنظيم على خلفية التفجير الذي قتل فيه أبرياء صادف وجودهم في المكان نفسه، وهنا يمكن القول إن إيمان البنا بالعنف لم يكن مرتبطاً بنشأة النظام الخاص، ولكنه هو من وضع له البرامج التربوية والفكرية، وهو صاحب قرار إنشائه من الأساس.

لا نستطيع أن نزايد على شهادة الصباغ أحد قيادات النظام الخاص، وهو أحد الشهود العيان على تاريخ «الإخوان» الدموي، شهد حادثة تفجير «الإخوان» محكمة استئناف القاهرة، ورصد في كتابه الموسوعي عملية خداع أستاذه للشعب المصري، عندما وصف القائمين على العمل في بيان رسمي بأنهم ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين، ويعلق بأن عملية الخداع هذه مشروعة للكذب على الأعداء!

هذه ليست الحالة الوحيدة التي يكذب «الإخوان» أو يراوغون فيها منذ أن عملوا في السياسة، ولكنه استشهاد بلسان أحد قادتها سجله في أحد كتب “الإخوان المسلمين”، يمكن العودة إليه لمن يُريد أن يتحقق من المعلومة، ولكننا عشنا خداع التنظيم بصورة أكثر وضوحاً على مدار العقود الماضية، ولعل خلفاء البنا كانوا أصدق منه في التقاط صفتي الخداع والكذب.

أعلن “الإخوان المسلمون” في مصر عام 2011 أنهم لن يتنافسوا على مقعد رئيس الجمهورية ثم خالفوا وعدهم وفاجأوا الجميع بترشيح خيرت الشاطر، وتم استبدال محمد مرسي به عندما تم استبعاد الشاطر، وهو ما كان صادماً لمن لم يعرف «الإخوان»، الأمر نفسه تكرر بالنسبة التي ترشح عليها «الإخوان» في برلمان 2012، حيث رفع «التنظيم» وحزبه السياسي شعار مشاركة لا مغالبة، فكانت مغالبة حتى أن حلفاءهم وصفوا تجربتهم بأنهم لم يشعروا بالحرية ولا بالعدالة داخل حزب الحرية والعدالة نظراً الى استئثارهم بمعظم المقاعد أثناء التحالفات البينية بينهم.

الكذب إحدى أهم أدوات جماعة “الإخوان المسلمين” التي تستخدمها منذ أن قررت دخول عالم السياسة، فقادة هذا التنظيم وأتباعه، يعتقدون أنهم أصحاب المنهج «الرباني» كما يصفونه في أدبياتهم، وهو ما يتطلب الكذب من أجل أن يرى هذا المنهج النور، ليس هذا فحسب، بل يرى قادة التنظيم أيضاً جواز الكذب على الخصم ما دام ذلك في مصلحة «الدّعوة».

وهنا قد تتم قوننة الكذب، وهي مرحلة متقدمة من الكذب نفسه، وهي أنك تعرف أنك تكذب فعلاً، وقبل ذلك تُبرر هذا الكذب بدعوى أنه جزء من مراوغة العدو، وإيقاع حالة الحرب على الوضع الحالي، وبالتالي يُصبح الكذب مباحاً وممارسته جزءاً من الدين!

الكذب أو المراوغة أو التقيّة أو الخداع كما يحب قادة الجماعة تسمية هذه الحالة تحوّل طبيعي للتنظيم في عالم السياسة والدعوة أيضاً، فكما تتم ممارسة الكذب سياسياً يتم استخدامه دعوياً، ما رأت «الجماعة» ضرورة لذلك، فالجماعة تستخدم السياسة في الدعوة وتمارس الدعوة في السياسة، وشعارها الكذب، ولعل التسمية الأدق للتنظيم «الإخوان الكاذبون».