لكل السوريين

رسائل القصف الأخير على دير الزور

ميزر الشهاب

لا شك في أن القصف الأخير الذي تعرضت له ميلشيات إيرانية وأخرى سورية مقرّبة إيديولوجيًا من إيران له عدة أبعاد وأسباب، ولكنه بالمحصلة يندرج في إطار الصراع الروسي الإيراني في تعزيز نفوذهما في سوريا، ولا يمكن لأي أحد أن يفصل ما يحدث في جنوب البلاد (المحاذية لإسرائيل) عن شرقها (الذي يعد مركزا رئيسيا لميلشيات إيرانية وأفغانية صنعتها إيران وكان عرابها قاسم سليماني).

وعلى الرغم من أن الإعلام الإسرائيلي لم يتبن القصف الأخير الذي يعد الأشد غزارة من ناحية عدد الغارات على دير الزور وأريافها الشرقية غرب الفرات على عكس الاستهدافات السابقة لمواقع الحرس الثوري وحزب الله إلا أن كل الترجيحات تؤكد أنه إسرائيلي بتنسيق مع روسيا التي يعد هدفها الرئيسي في مناطق غرب الفرات كسب المنطقة التي تخضع (صوريًا) للقوات الحكومية؛ إيديولوجيًا وعسكريا، حتى يتسنى لها الحصول على بعض المكاسب الاقتصادية والتفرد بها، ومن ثم التفرد بالقرار السيادي لوحدها.

لكن، روسيا مدعومة من إسرائيل، وما يؤكد ذلك استهدافات إسرائيل لمواقع إيرانية وأخرى لحزب الله، تقع ضمن مناطق التواجد الكثيف للروس في سوريا، ما يؤكد أن الاستهداف جاء بمعرفة مسبقة من روسيا، التي سحبت قبل أيام بعض القوات المدعومة من قبلها من مناطق حساسة في دير الزور، كالميادين والبوكمال.

على العموم، ما يحدث في الجنوب السوري من حرب باردة بين روسيا المدعومة من إسرائيل وإيران التي تحاول بناء قاعدة شيعية إيديولوجية على مقربة من حدود الجولان بات منطلقاً للصراع الروسي الإيراني القريب، بعد أن كانت أرياف دير الزور الخاضعة لسيطرة إيران هي المنطلق، وأصبحت امتدادا في الفترة الحالية.

الأهمية الكبرى لمدينتي البوكمال والميادين هي لكونهما يقعان على توازٍ من قاعدة التنف الأمريكية في مثلث سوريا والأردن والعراق، كما أنها تعد نقطة الوسط على مضيق الهلال الشيعي (طريق طهران بيروت مرورا ببغداد ودمشق).

لن أتوسع بالحديث عن الاستهداف، لكن الانسحاب الروسي قبل أيام من بعض مناطق دير الزور للقياديين يعود لوجود خلافات “غير معلنة” بين الروس والإيرانيين، حيث يخشى الروس من استهداف عناصرهم من قبل الميليشيات الإيرانية، وخاصة أن المقر الروسي يقع وسط مناطق سيطرة المليشيات وغير محصن بالشكل الكافي.

منذ أسابيع رفعت وسائل إعلام مقربة من إيران وتيرة الحديث عن (الثأر لقاسم سليماني)، ما دفع أميركا على ما يبدو إلى أن تأخذ الموضوع على محمل الجد، وربما يذهب الأمر بعيدا بعض الشيء، ولا سيما في بدء المرحلة الجدية لإبعاد الإيرانيين عن الساحة السورية، فأرادت من القصف الأخير الذي لم يحدث إلا بتنسيق بينها وبين إسرائيل وروسيا أن يكون ضربة استباقية لكل مساعي إيران وميلشياتها بأي رد على استهداف سليماني.

النظرة المستقبلية حيال ما يحدث الآن يوحي بانقسام قد يشهده الجيش السوري، وقد يفضي إلى بدء صراع بين الفصائل الإيديولوجية في الجيش، كالفرقة الرابعة المقربة من إيران والفيلق الخامس الروسي، ومع أن هذا الصراع قد بدأ سابقا في الجنوب السوري إلا أن يقين إيران بأن روسيا لديها علم باستهداف دير الزور قد يدفعها للتصعيد ضد الفصائل التي شكلتها روسيا، وخير دليل على ذلك أحداث السويداء ودرعا الأخيرة والمتكررة، أضف إليها تكثيف حزب الله لتواجده في الجنوب، والعمل على نشر الإيديولوجية الشيعية في مناطق درزية سنية إن صح التعبير.

وقد يتفرع عن هذا الانقسام انقسامات أخرى ترافقها شروخ في القصر الرئاسي، قد تنتهي بصراع قلب الطاولة بين ماهر الأسد الشقيق الأصغر للرئيس بشار من جهة وأسماء الأخرس زوجة الأسد التي وطدت نفسها كمتفردة باقتصاد البلاد عندما استطاعت قلب الطاولة على الرجل الاقتصادي الأول في سوريا وابن عمة زوجها (رامي مخلوف).