لكل السوريين

عين عيسى: الامتحان السوري الصعب إقليميا ودولياً

تتحول ناحية عين عيسى – الظن بأن الكثير من السوريين لم يسمع بها- اللحظة إلى أكبر اختبار لكل الأطراف المتدخلة في الأزمة السورية، وفي الوقت نفسه لواقع الحل السوري ومستقبله، وما ينجم عن ذلك من مألات و/ أو تداعيات.

بداية؛ يعود لمرتزقة تركيا في المسمّى بالجيش الوطني السوري (الفضل) بأن يبدو قسماً من معارضة نظام الاستبداد المركزي في دمشق؛ كمجرد مجاميع ممتهنة اللصوصية والسطو والقتل والخطف والإرهاب والاستيلاء القسري على ممتلكات المدنيين ومقدراتهم؛ وإلى أداة في التغيير الديمغرافي والإداري لأكثر من 10% من مناطق شمال سوريا المحتلة من قبل أنقرة اللحظة، ويُضاف إلى كل ذلك تشكيل نمطية سيئة مفادها السوريين المرتزقة كما في آرتساخ/ قره باخ، غرب ليبيا، واللحظة إلى صومال وكشمير.

لكن يجب العلم بأن مجرد ظهور طائرة تركية واحدة في سماء عين عيسى وداعمة لمرتزقة تركيا يعني الضوء الأخضر الممنوح من الناتو لأنقرة. ولن يفيد كثيراً الخبر الذي تداولته الصحف والمواقع هذا الصباح بأن وزارة الدفاع الأمريكية أوقفت تقديم الاحاطة للفريق الجديد بشكل مخالف لعرف اعتيادي وشكل من أشكال نقل السلطة وتسليمها للإدارة الجديدة في واشنطن. إذْ يأتي معدومية الفائدة ليس فقط بسبب اتفاقية وقف اطلاق النار بين واشنطن وأنقرة في 17 اكتوبر/ تشرين الأول 2019 بُعيد احتلال تركيا الأردوغانية لرأس العين وتل أبيض؛ إنما أيضاً بسبب تمديد الرئيس الامريكي ترامب تمديد حالة الطوارئ في شمال سوريا عاماً ميلادياً كاملاً إلى 24 اكتوبر العام الجديد. فظهور هجوم تركي جوي جديد يعني بأن مسؤولية ذلك تتحمله كل بلدان الناتو. الأخيرة في مرحلة علاقات سيئة وأنقرة التي باتت في موقف التصعيد مع حلفائها خاصة بعد العقوبات الأمريكية الأخيرة على أنقرة. كما أن هذه العقوبات جاءت أيضاً بمثابة الدوس القوي على ذنب القطة؛ تركيا الأردوغانية هي القطة هنا، وفي الوقت نفسه يفي إلى قصدية التراكم الهائل وتكويم الملفات الموضوعة أمام جو بايدن الرئيس المنتخب الجديد.

رغم ذلك فإن مسؤولية موسكو في اجتياح تركي محتمَل لعين عيسى تعد اللحظة أكبر بكثير من مسؤولية الناتو وواشنطن. مردُّ ذلك -أيضاً- ليس بسبب توقيع مذكرة التفاهم بين موسكو وأنقرة القاضية بوقف إطلاق النار بتاريخ 21 اكتوبر العام الماضي، وليس أيضاً بسبب اتفاق حماية الحدود بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية بتاريخ 24 اكتوبر الشهر نفسه. إنما بسبب حضور روسيا الفعلي في شرقي الفرات إثر انسحاب أمريكا من بعض المناطق الشمالية قبيل الاحتلال التركي لمنطقتي رأس العين وتل أبيض، وبسبب معرفة روسيا بأن عين عيسى خارج المسافة المتفق عليها الأطراف بنحو عشرة كيلومترات، وأن مناطق عيسى الجنوبية تبتعد عن الحدود وتركيا مسافة أكثر من خمسين كيلومتراً.

أي أن موسكو وواشنطن تتحملان مسؤولية ذلك -فيما لو حدث- بشكل كامل، على أن مسؤولية روسيا تزيد، ودليل ذلك المقترح الروسي بتسليم عيسى للنظام لمنع الاحتلال.

لكن من يستفيد في خطوة احتلال تركيا لعين عيسى؛ لو حدث؟

لن تعد مجمل الأطراف: روسيا في سوريا، وإيران، والسلطة في دمشق، ولن يكون الاتحاد الأوربي وقبله واشنطن من الجهات المستفيدة في ذلك. أما عملية الحل السوري فسيعتريه الكثير من الغموض بعد الاخفاق الملموس أو الانسداد الفعلي الملحوظ له أساساً. فوحدها تركيا الأردوغانية من تستفيد، في وقت ستقدم فرصة ذهبية لداعش من إعادة تنظيم نفسه.

أكثر الخاسرين من هذه الخطوة لو حدثت؟

– شعب سوريا، وقواه الوطنية بكل الاصطفاف المفروض عليها، ومن كل المواقع.

– هذه الخطوة غير منقطعة عما يحدث في إقليم كردستان العراق، ومحاولة تركيا الاستفراد بالإقليم من خلال تهيئة ودعم أي اقتتال داخلي بين القوى الكردستانية. وهي غير منقطعة عن الحوار السيادي السوري في مفصلية الحوار الكردي الكردي المتوقف حالياً. ستحاول تركيا من ترصيف مستمر لخطواتها ضد القضية الوطنية الكردية حتى تتسنى لها ابتلاع إقليم كردستان أو يباسه ليغدو في منظر آيل للسقوط، أو في عنق الزجاجة بأحسن الأحوال. ولو قدّر لنا تقييم سياسة تركيا بكلمة؛ ستكون: استبعاد العرب والقضاء على الكرد.

– لن يوجد سوري عاقل تكمن مصلحته في إعادة انتاج النظام المركزي الاستبدادي لسوريا، ولا يوجد سوري مع تصريحات الرئيس السوري الأخيرة من تقسيم سوريا لقومية عليا –أيا تكن- وقوميات وثقافات تحت/ مهمشة دون حقوق. لكن من المهم المقاربة هنا وفقاً للثوابت الفعلية القاضية إلى وجود سوريٍّ فعلي والانطلاق من دورها نحو كل خطوة تعاون وتنسيق بين مختلف القوى الوطنية السورية التي تضمن انهاء الاحتلال التركي لسوريا –كخطوة مبدئية- في طريق استعادة جميع المناطق التي تم احتلالها من خلال الأزمة السورية. وهنا؛ ربما ما يزال المحتل التركي يقدم لنا كسوريين الفرصة تلو الفرصة؛ وما نزال نضيعها المرة تلو المرة.

– كل شبر تقوم تركيا باحتلاله من سوريا يقابله بشكل فعلي تهيئة المجالات المتعددة لاحتلال تركيا للمزيد من مناطق البلدان العربية، أو على الأقل تهديد أمنها واستقرارها. وعلى بلدان الجامعة العربية أن يكون ملف سوريا ملفها الأول؛ فكل تهديد لها ورائه تركيا الأردوغانية، وزوال هذا التهديد يأتي من بوابة دعمها للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وأن تستدرك غياب دورها في حل الأزمة السورية من خلال التفاعل الإيجابي ومجلس سوريا الديمقراطية إن في امكانية أن تكون راعية إضافية أساسية لأي حوار بين مسد إلى جانب قوى ديمقراطية سوريّة والسلطة في دمشق أو اعلان رفع يدها وعدم مسؤوليتها في المهزلة (هيئة التفاوض) من خلال إعادة هيكلة لهذه الهيئة لتتحلى بالمسؤولية والجدية وأن تكون محل الرهن عليه.

– كل شبر من سوريا تقوم تركيا بضمه إليها؛ من المؤكد يجب ألّا يتفاجأ أحد بالمفاعيل المترتبة على ذلك في كل المناطق المتورطة فيها تركيا والموغلة في حرائقها. يجب أن نعيد على الأذهان هذه المعادلة الصحيحة مئة بالمئة: لو لم تحتل تركيا عفرين؛ لما حدث كل هذا التمدد التركي في كافة أصقاع المشرق الأوسط والشرق الأقصى، وشرق المتوسط. لكن هذه المعادلة ما تزال سارية المفعول. وألا تكتفي أوربا بالتلويح لفرض العقوبات. أو الاكتفاء بالنظر أو الإدانة الكتابية والشفوية فقط؛ أوربا وغيرها.

الكل يعلم، بشكل خاص المتدخل في سوريا، بأن تركيا التي هي في لبوس الدولة المحتلة منذ البداية الأولى للأزمة السورية بأنها لم تلتزم لحظة باتفاقية ومذكرة تفاهم وقف إطلاق النار: الأمريكية والروسية مع أنقرة. كما أن الكل يعلم أيضاً بأن قوات سوريا الديمقراطية ما زالت تقاوم الاحتلال التركي مقاومة العين للمخرز. وستقاوم هذه المرة أيضاً ضمن خيارات صعبة، والأصعب –كما كل مرة- أن تترك وحيدة لتقاوم وحيدة بقرار يتخذه فقط أناس قرأوا التاريخ كثيراً، نقرأ المستقبل أكثر، ويهمنا كما الكثير مستقبل التاريخ. هنا لن يمر المحتل بسهولة. وهنا من سوريا بالتحديد أن حل الأزمة وحل القضية الديمقراطية في سوريا والمنطقة يمر عبر حل عادل للقضية الكردية.

سيهانوك ديبو