لكل السوريين

اللامركزية في سوريا.. كيف ولماذا؟

المصطلحات القانونية لها دلالاتها ومعانيها ويمكن استخدامها على ما عرفت عليه لكنها ليست نصوصًا منزلة فإن حاجات الواقع قد تتطلب تغييرا أو إضافة أو ابتكارا من ذات المصطلحات لصيغ جديدة ليس بالضرورة أن تكون بذات السبك القانوني المعروف؛ ولا يضيرها أن تتغاير عنه. ويمكن إضافتها كمصطلح قانوني حين نجاحها في تمثل الواقع وتأطيره وفق الغاية التي صيغت لها.

اللامركزية الإدارية لايمكن فهمها على أنها نظام سياسي وهي تدرج ضمن القانون الإداري الذي يتم بموجبه توزيع الوظائف الإدارية بين المركز والأطراف بهدف تحسين التواصل الخدمي للمواطنين، ولكن الأمر يبقى بيد الحكومة المركزية متى شاءت سحبت الصلاحيات المخولة للإدارات المحلية لأنها لا تتمتع بضمانات دستورية.

اللامركزية الإدارية آلية عاجزة عن حل قضايا معقدة واشكالية في المجتمعات متعددة الثقافة، متنوعة الثروة، تتعدد فيها الأعراق والديانات والطوائف، وتتنافس فيها المواقف إلى حد الصراع. وهذا يتطلب ضمانات دستورية لوقفه أو حله. لذلك نجد اللامركزية السياسية تمثل حلا منطقيا لتلك الصراعات.

اللامركزية السياسية لدى الفقهاء السياسيين والدستوريين يمكن أن تكون باسم الفيدرالية ويجب أن تكون متضمنة بالدستور وبالتالي هي حل سياسي وقانوني للمشاكل العالقة أو المتوقعة. والدستور ضامن لعدم الانقلاب عليها أو التراجع عنها من قبل الحكومة المركزية، ومن أجل ضمان نجاحها فإن الاجتهاد برعايتها بنظام ديمقراطي يحسم شكل الإدارة ويمنع تغولها في مفاصل العمل. وحين نجد اختلافا حول المصطلح بسبب الجهل أو الثقافة التسلطية المعتادة يمكن الخروج بمصلح اللامركزية الدستورية لحل الإشكال وللتقبل السياسي والمجتمعي للدستور كضامن لحل اللامركزية.

في بلادنا نحتاج إلى مراعاة أهداف متعددة للناس وللسياسيين وللمثقفين بتعدد اتجاهاتهم القومية والدينية، لذلك نحتاج إلى تفصيلات دقيقة توضح أن اللامركزية المنشودة هي لمنع تغول الدولة ” الحكومة المركزية” في مفاصل الحياة اليومية، وتهدف لتوزيع الصلاحيات بين المركز والأطراف من أجل إدارة محلية للمناطق تساهم في تحريض عاملين يخدمان الاستقرار والتطور وهما الديمقراطية والتنمية، وتؤكد على العامل الجغرافي في توزع الحكم اللامركزي وهي هنا يمكن أن تكون نوعا من اللامركزية الإدارية المتضمنة دستوريا دون أن تأخذ طابعا سياسيا ” دينيا أو قوميا أو طائفيا” يسبب القلق لدى شركاء الوطن .

فالنظام اللامركزي يقترن مع النهج الديمقراطي ويضمن تحقيق التنمية والتطور للمجتمع، ويكفل توفير الفرص للاطلاع على سير عمل الإدارات ومراقبتها والتأثير فيها بسبب القرب والتماس اليومي مع مجريات العمل؛ ما يتطلب شفافية مستمرة في الأداء والإنجاز وهو يدعم حقوق سكان الوحدات الادارية الصغيرة، ويحقق التوازن والتوافق بين المصلحة العامة والمجموعات العرقية والدينية من خلال المشاركة في اختيار أو تمثيل هذه المجموعات؛ ما يؤدي إلى إحساس بالمسؤولية، ويؤدي إلى توافر الأمن والاستقرار، وبالتالي تماسك أجزاء الدولة ووحدتها.

كما أن النظام اللامركزي يخدم عملية التنمية حيث أنه يقيم التوازن بين مصلحة الدولة ومصالح المناطق الإدارية، عبر عملية التنسيق والتعاون المنظمة على أساس دستوري وقانوني يخلق الفرص المثلى لاستغلال الموارد البشرية والطبيعية والإدارة المالية، وإعداد الكوادر والكفاءات المحلية التي تنجز المهام، وتساهم في تحسين الأداء الاقتصادي ورفع مستوى المعيشة وتحقيق التطور المستدام من خلال تنشيط المناطق المهمشة وتشجيعها لاستثمار مواردها.

وهذا بحد ذاته مطلب ملح في بلادنا التي عانت من النهب المستمر خلال العقود الفائتة من حكم الحزب الواحد والعائلة المتسلطة والفساد المرتبط بهما.

وهو كفيل بخفض حدة التنازع والتوتر والصراع الذي عانت منه البلاد خلال الأزمة بعد الحراك الثوري في آذار 2011، وما تلاه من مصائب مست الجميع وفرقت بينهم، ما يستوجب البحث عن وسائل التوحيد غير المباشر عبر النظام اللامركزي.

رياض ضرار