لكل السوريين

ما الذي تعنيه الانتخابات الأميركية لروسيا؟

على مدى نصف عقد، طارد شبح روسيا المشهدَ السياسي الأميركي. فقد لعبت عمليات التأثير على الانتخابات المنسوبة لموسكو دوراً مختلَفاً عليه في انتصار الرئيس دونالد ترامب في انتخابات عام 2016. كما أنه بمجرد وصوله إلى السلطة، انخرط بشكل فوري تقريباً في سلسلة من المعارك القضائية حول اتصالات لحملته مع مسؤولين محسوبين على الكريملن، وهي اتهامات رفضها ترامب دائماً باعتبارها «مكيدة»، وإن تم توجيه تهم جنائية لعددٍ من موظفيه السابقين.

والواقع أن ما ربحته موسكو من وجود اسمها في شائعات المشهد الأميركي الداخلي يظل سؤالاً مفتوحاً. ولكن روسيا اليوم في وضع مختلف عما كانت عليه في 2016، فاقتصادها يعاني هبوط أسعار النفط، وبينما ازدادت مؤخراً فرص نائب الرئيس السابق جو بايدن في الفوز بالانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، أخذت قيمة الروبل الروسي تنخفض على خلفية مخاوف من أن يؤدي تغير الإدارة الأميركية إلى مزيد من العقوبات وجمود أكبر في العلاقات الأميركية الروسية.

والمثير للانتباه أن إدارة ترامب كانت بشكل عام صارمة على مدى السنوات الأربع الماضية مع الكريملن، حيث مررت عقوبات ضد مسؤولين روس وشركات روسية، وعملت على تقليص مشاريع الغاز الروسية في أوروبا وتقوية بعض جيران روسيا الأوروبيين عبر مبيعات الأسلحة.

وفي شهادة أدلى بها أمام الكونجرس الشهر الماضي، قال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الـ«إف بي آي»، كريستوفر راي، إنه يعتقد أن روسيا صارت «نشطة جداً» في جهودها الرامية للتأثير على الانتخابات الأميركية، وخاصة «تشويه سمعة» بايدن، منافس ترامب على البيت الأبيض. وهذا الأمر أغضب الرئيس الأميركي، إلا أن «راي» ليس أول مسؤول في الإدارة الأميركية يربط أجندة روسيا بنجاح ترامب السياسي. ومن جانبه، قال سلف بولتون، إتش. آر. ماكماستر، الأسبوع الماضي، إن ترامب «ساعد جهود روسيا» عبر تأجيج حالة عدم اليقين بشأن التصويت عبر البريد ومصداقية الانتخابات الأميركية!

وتعليقاً على هذا الموضوع، تقول ألينا بولياكوفا، رئيسة «المركز الأوروبي لتحليل السياسات» ومديرته التنفيذية: «لديك بيت أبيض لا يبدي موقفاً قوياً تجاه روسيا»، مضيفةً أن الروس «استطاعوا القيام بأنشطة مختلفة»، من أفغانستان وسوريا وليبيا إلى بحر البلطيق، مستغلين «أجندة السياسة الخارجية غير المفهومة» وغير المنسجمة التي تتبنها إدارة ترامب وما يبدو عدم رغبة من البيت الأبيض في مواجهة موسكو.

بيد أن بايدن كان ينتمي أيضاً إلى إدارة يُنظر إليها على أنها كانت ضعيفة تجاه روسيا، ولم تستطع سياستها المتمثلة في «إعادة ضبط» العلاقات مع موسكو تغيير توجهات الكريملن. وتقول بولياكوفا في هذا الصدد: «لديك التدخلات (الروسية) في سوريا وأوكرانيا»، مضيفة: «شئنا أم أبينا، فإن بايدن كان جزءاً من تلك الإدارة ولم يفعل الكثير من أجل فرض عواقب حقيقية».

ومعظم الخبراء يتوقعون من بايدن، إن أصبح رئيساً، أن يكثّف الضغط على موسكو، ويعمل بتنسيق أكبر مع الشركاء الأوروبيين الذين يتبنون أيضاً سياسةً أكثر حزماً وصرامة. وفي هذا السياق، يقول أندري كورتونوف، رئيس «مجلس الشؤون الدولية الروسي»، الذي أسسه الكريملن: «إذا انتُخب بايدن، فإننا سنواجه التفافاً غربياً حول برنامج مناوئ لروسيا».

وكان بايدن رفض ادعاءً «جمهورياً» بأن ابنه تلقى 3.5 مليون دولار سراً من زوجة عمدة موسكو السابق. وفي ندوة عمومية نظمتها قناة «سي إن إن»، الشهر الماضي، وصف بايدن روسيا بـ«الخصم». وما زالت زيارته إلى العاصمة الروسية في 2011 كنائب للرئيس، حاضرةً في الأذهان بسبب ما اعتُبر إساءةً حينما قال لزعماء المعارضة، إن بوتين لا ينبغي أن يترشح لمنصب الرئيس مرة أخرى. غير أنه سيتعين على بايدن، إذا ما فاز بالرئاسة، أن يفكر في انتهاء صلاحية اتفاقية «ستارت الجديدة» التي حدّت من عدد الرؤوس النووية الاستراتيجية التي تنشرها كل من الولايات المتحدة وروسيا. وحتى الآن، لم تثمر محاولات إدارة ترامب للتفاوض حول اتفاقية جديدة.

بيد أن بعض الخبراء يتوقعون تدهوراً للعلاقات بين الدولتين أياً تكن نتيجة الانتخابات الرئاسية. وفي هذا الصدد، قال ديمتري ترينن من مركز كارنيجي في موسكو خلال ندوة على الإنترنت مؤخراً: «أتوقع مزيداً من التدهور في العلاقة. ذلك أنه إذا فاز ترامب، فإن الكونجرس الأميركي سيردّ على ذلك الفوز، وستعاقَب روسيا بسبب ذلك الانتصار أكثر مما حدث في 2016. أما إذا فاز بايدن، فإنه سيحاول أن يُظهر للعالم أنه ليس مهادناً لبوتين، وأنه سيأخذ روسيا على محمل الجد كثيراً».

إيشان ثارور

محلل سياسي أميركي