لكل السوريين

حول دور المرأة في التفاوض وبناء السلام

ان المفاوضات هي الوسيلة الرئيسية لمعالجة كافة الصراعات المحلية والدولية، وتعمل على نحو أكثر تواترا من جميع التقنيات الأخرى لإدارة الصراع.

وفيما يتعلق بتكرار حدوث المفاوضات والأسبقية الممنوحة لها، فمن العجيب أن “المفاوضات…هي صراع مشترك بحد ذاته”. لكن؛ المفاوضات ليست عملية أحادية أو نشاط منفصل، إذ أنها عملية مستمرة ومرنة، تتكون من مجموعة من النشاطات المرتبطة التي تنطوي على تشكيلة من العوامل، القرارات والمواقف، تتضمن محادثات شفهية وغير شفهية أيضاً.

وتتراوح بين العمليات الرسمية مثل النقاشات متعددة الأطراف كما في الأمم المتحدة، والعمليات غير الرسمية مثل النقاشات الاجتماعية، أو حتى المحادثات غير الرسمية كما في حفلات العشاء، فهي توظف استراتيجيات مختلفة تتراوح بين حل المشاكل إلى الدعوة المتشددة بكلمات أخرى.

المفاوضات عملية معقدة تحدث على مراحل مختلفة وبطرق مختلفة ودون شك، فإن المفاوضات عملية إنسانية مهمة على جميع المحاور، والتي تمكن الأفراد والمجموعات من بناء الادعاءات، والتصريح عن حالاتهم، والاستماع إلى بعضهم البعض، حل المشاكل والبحث في الخيارات لاسترضاء ومعالجة التباين في المنظورات، والاحتياجات والأهداف.

يمكن النظر إلى المفاوضات على أنها أداة متأصلة لإدارة وحل الصراع، ففي منظور الكثير يعتبر السلام والمفاوضات وجهان لعملة واحدة، إذ أنه ليس فقط الالتزام بالسلام يوجب الحاجة للمفاوضات، ولكن يعتبر السعي لتحقيق تسوية تفاوضية أمر جوهري لعمليات السلام، ومع ذلك هناك نوعان من الانتقادات العامة في الأدبيات بشأن هذه المعادلة بين التفاوض والسلام.

أولا، أن ثمة من يقول أن المفاوضات الدبلوماسية نادراً ما تعطي نتيجة في حل الصراعات الراسخة والعميقة، ويمكن أخذ قبرص كمثال توضيحي على ذلك، حيث أن المفاوضات استمرت فترة طويلة من الزمن دون أن تصل لصياغة أي عملية سلام، وبالمثل فشلت المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية بشكل مستمر في معالجة القضايا الأساسية أو وضع حد للاحتلال، ومما يدعو إلى السخرية أنه قيل أن المفاوضات، كأداة لبدء السلام وإنهاء الصراع، غالباً ما تستخدم كذريعة للحفاظ على الوضع الراهن أو لإعطاء وهم حل الصراع

ثانياً، وكما هو مهم في مضمون تعريف السلام المتبنى، فإن عدم مشاركة ممثلين عن النساء وعن المجتمع المدني في المفاوضات يعرقل المفاوضات الدبلوماسية الرسمية،  بعبارة أخرى، فإن المفاوضات الرسمية عادة ما يقوم بها رجال الحروب، مع ضعف في تمثيل النشطاء السلميين، فعادة ما تفتقر المفاوضات الرسمية إلى عناصر المجتمع المدني والعنصر النسائي، بحيث تغيب المجتمع المدني والمرأة عن السياسة العامة والميدان السياسي.

هذا النقص في حضور المجتمع المدني والمرأة في المفاوضات والسياسة، يعتبر إشكالية فالمناقشات حول المشاركة السياسية للمرأة، كالتالي من جهة، هناك حق لجميع المواطنين في المشاركة في الحياة العامة على قدم المساواة والمكرس في عدد من صكوك الأمم المتحدة، وعلى الأخص في القرار الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية .

إن فهم الآثار التي يمكن أن يتركها دمج  جميع المواطنين في عملية تحقيق السلام والمفاوضات، كان من بين الجوانب التي لقيت كثيرا من التركيز والبحث المستفيض من عدة جوانب، لما يمكن لهذا الدمج إن يلقيه من ضوء على زوايا كثيرة من زوايا الصراع والمفاوضات التي لم يتم التطرق إليها قبل ذلك.

بشكل عام، فإن أداء ممثلين عن النساء وعن المجتمع المدني في المفاوضات، يتميز باعتماد منهجية قائمة على المعرفة بتفاصيل الأمور ويركزن أكثر على الأداء الجماعي ودعم الآخرين، لانهم يميلون للتركيز على تطوير شبكة متماسكة من العلاقات مع المحيطين، وفهم معمق لعملية التفاوض كعملية بحد ذاتها.

ويكمن السبب في ذلك في كون ممثلي المجتمع المدني يميلوا للتعبير عن هوياتهم من ناحية مفهومية، وعلاقتهم بالصراع ذاته بحيث يميلوا إلى الفصل ما بين ذواتهم الفردية والصراع، بحيث يبدو الصراع حدثاً خارجياً بالنسبة لهم دون الميل لتبني هذا الصراع أو اعتباره قضيتهم الفردية، أي أن ممثلين المجتمع المدني ينجحوا في الفصل التام ما بين ذواتهم والصراع.

وأن العوامل التي تتحكم في أداء  النساء وممثلين المجتمع المدني تفاوضياً, تتمحور حول رؤيتهم الموضوعية للعلاقة مع الآخرين, والأحكام الملصقة بالجهة المفاوضة, وتفهم السيطرة من خلال التمكين, والشيء الرئيسي عندهن هو اتقان لغة الحوار خلال عملية حل الصراعات، وأدوارهن في عمليات حل الصرعات والمفاوضات تتمحور حول الأدوار الداعمة والتنظيم والإدارة والتواصل وحشد الدعم الجماهيري كونهن دعاة للسلام العادل.

بالرغم من تنامي الوعي بأهمية الدور الذي تلعبه المرأة، و يلعبه المجتمع المدني في منع الصراعات وتحقيق السلام، إلا أن الجهود المبذولة للحد من استثناء ممثلين عن النساء وعن المجتمع المدني من هذا المجال على مستوى العالم، لا تزال محدودة، فالعديد من المنظرين في مجال السلام، لا زالوا يبذلون الجهود لإقناع الآخرين بأهمية دمج ممثلين المجتمع المدني في مفاوضات حل الصراعات وتحقيق السلام.

انعام نيوف