لكل السوريين

أستانا 14 الهدية الروسية لأردوغان

أستانا واحد، أستانا اثنين…. أستانا أربعة عشر، تتالت الموديلات لنفس المنتج، ليس حبا به، لكن لم يأتي أي من الموديلات على مقياس الزبون.

سوريا اليوم تتشابك فيها المصالح وتتعقد، وكثر الضامنون، فمن روسيا إلى إيران إلى تركيا الكل يبحث عن تثبيت لمصالحه من خلال المؤتمرات الدولية والاتفاقيات طويلة الأمد، والكذبة الدبلوماسية المضحكة الضامن.

حاولت روسيا قلب الطاولة على جنيف وقراراته، لأنها ترى أن قرارات جنيف لا تتماشى مع مصالحها، كونها في غالب مضامينها موجهة لصالح تحجيم التدخلات الخارجية بالشأن السوري، فقام الدبلوماسيين الروس بإنتاج استانا على اعتبار استانا العاصمة الكازاخستانية طرف محايدا، لكننا جميعا رأينا كيف أن غالبية التصريحات من قبل الدولة المضيفة تتطابق مع تصريحات الأطراف المؤتمرة المتآمرة مع محادثات استانا، التي أرادت بها عزل المفاوضات عن المجتمع الدولي.

استانا، الذي لا طائل منه إلا تمديد الأزمة السورية، وتدعيم التقسيم المناطقي للمصالح على حساب الشعب السوري، وتم من خلاله أيضا استبعاد الإدارة الذاتية التي تمثل أكثر من خمس ملايين مواطن سوري من كل الاجتماعات السابقة، لكن على خلاف الاجتماعات السابقة التي ادعت تركيزها على محاربة الإرهاب وتوجيه الأنظار إلى إعادة الإعمار لسورية  تحت المظلة الروسية، الذي يرفضه المجتمع الدولي في ظل بقاء الأسد في الحكم، كان هذا الاجتماع هدية من روسيا لتركيا هدية على طبق من ذهب.

حيث ركز البيان الختامي على توجيه الاتهامات للإدارة الذاتية، واعتبارها كيان أمر واقع يهدد استقرار سورية ووحدتها، ووجه الاتهامات الباطلة، وركز على اتفاقية أضنة، واتفاقات وقف اطلاق النار بين روسيا وتركيا، كل هذه الأمور تماشت بشكل مباشر مع السياسة التركية واستطاعت إلى حد بعيد إرضاء الضامن التركي للتغاضي في الأيام التي ستتلو البيان الختامي عن تصعيد عسكري سيحدث في إدلب يقوم بها الضامن الروسي.

سوريا التي ضاعت بين مصالح الضامنين وتمنياتهم، وبعد تجاهل ثلاث عشر مؤتمر سابق للإدارة الذاتية أو المكون الكردي السوري، أو أي ممثل لهذا المكون، توجه المؤتمر الرابع عشر لاستانا لكيل الاتهامات لتلك الإدارة التي استطاعت خلال سنوات الحرب السورية الحفاظ على البنى التحتية، وتمكين البنية الاجتماعية ومواجهة أشرس تنظيم إرهابي في القرن الواحد والعشرون.

تلك الاتهامات التي تراوحت بين تهديد استقرار سوريا، ونهاية التهم بمحاولة تقسيم سوريا؛ أظهرت التوافق التام بين اردوغان وبوتين على التقاسم الفعلي الذي حدث على الأرض، وشرعنة العدوان التركي على شمال شرق سوريا وتثبيت هذا العدوان من خلال منابر دولية، في ظل رفض دولي لهكذا مؤتمرات تشرعن الاحتلال، وقد عمد المتآمرون الثلاثة إلى تجاهل القرارات الدولية، وتجاهل معاناة الشعب السوري، الذي أنهكته سنون الحرب الطوال، واحترقت بلاده بنار المصالح، لكن كيف غاب عن ذهن المتآمرين الممارسات الخطيرة والانتهاكات التي قام بها مرتزقة الاحتلال.

إن مؤتمر استانا الأخير أظهر الوجه الحقيقي لهذا المؤتمر، وإنه فقط لتقسيم المصالح وترتيبها لتفادي حدوث نزاع أو تصادم بين الضامنين المتآمرين، كما حدث عند إسقاط الطائرة الروسية من قبل الأتراك والأزمة السياسية التي نتجت عن ذلك الإسقاط التي أجبرت اردوغان وقتها على البدء بمسلسل التنازلات لبوتين، الذي قارب على عرض حلقاته الأخيرة من تسليم إدلب للنظام، ومن وراءه روسيا واعتراف روسي بالسيادة التركية على المناطق التي احتلتها الأخيرة في شمال شرق سوريا.

وتفاهم تام على المصالح التركية في الشمال السوري بحجة مكافحة الإرهاب التي أصبحت شماعة، لمن شاء لغزو من يشاء بغير رقيب أو حسيب واستباحت الدول، وتهجير أهلها، وتغيير تركيبة السكان في المناطق المحتلة بشكل يتناسب مع ارتزاق بعض المجموعات الإرهابية التي تنضوي تحت لواء الجيش التركي، وتقاربت المصالح التركية الروسية إلى حد بعيد فقد ضحت الدولة التركية بعلاقاتها مع الأمريكان، التي كانت توصف بالمتينة والحقيقية يوما ما لصالح التقارب مع الروس، من خلال تفاهمات سياسية على الأرض وصفقات سلاح بمليارات الدولارات، على رأسها صفقة الاس 400  التي أثارت مخاوف حقيقية لدى وزارة الدفاع الأمريكية، مما أجبرها على إعادة تقييم العلاقة مع انقرة واحتمالية إلغاء صفقات تسلح بين الطرفين، واستبعاد للجيش التركي من تدريبات عسكرية مشتركة.

إن غياب رؤية حقيقية واستراتيجية واضحة من قبل بعض الدول الأوربية والولايات المتحدة؛ رمى الكرة في ملعب الضامنين، الذين ما لبثوا أن بدأوا بتقسيم البلاد بشكل يتناسب مع أهوائهم وإجرامهم.

عمار عبداللطيف