لكل السوريين

“الشؤون السياسية” في درعا بين التنظيم والتضييق… إدارة مدنية أم عودة للوصاية الحزبية؟

درعا/ إبراهيم النجار

تشهد محافظة درعا في جنوب سوريا تصاعداً ملحوظاً في دور “الأمانة العامة للشؤون السياسية”، التي باتت خلال الأشهر الأخيرة أحد أبرز الفاعلين في المشهد العام بالمحافظة. حيث يلاحظ سكان درعا أن المسؤول عن هذه الهيئة يرافق محافظ درعا في معظم زياراته الرسمية، ويشارك بشكل دوري في الأنشطة الحكومية والفعاليات العامة، ما يثير تساؤلات حول حدود دور الأمانة العامة، وطبيعة تدخلها في العمل المدني والسياسي.

وبدأ دور الشؤون السياسية في درعا بالظهور عقب سقوط النظام مباشرة، وقبل صدور القرار الرسمي بتأسيس “الأمانة العامة”. حيث اتخذت الشؤون السياسية من المبنى السابق لحزب البعث في مدينة درعا مقراً دائماً لها. وهو المبنى ذاته الذي كان يشكّل طموحاً لآلاف الطلاب وأهاليهم بأن يتحول إلى مقر لفرع جامعة دمشق في درعا، خاصة في ظل المعاناة المزمنة من ضيق المباني الجامعية وعدم قدرتها على استيعاب الطلبة في المحافظة.

لكن بدلاً من تحقيق هذا المطلب الأكاديمي، تحوّل المبنى إلى مركز حيوي لنشاط “الشؤون السياسية”، التي بدأت تشرف بشكل مباشر على تنظيم الأنشطة السياسية، الثقافية، والمدنية في المحافظة. وأكدت عدة مصادر محلية أن أي ندوة عامة أو فعالية مجتمعية، بما فيها أنشطة منظمات المجتمع المدني، لا يمكن إقامتها دون الحصول على موافقة مسبقة من الشؤون السياسية، ما أثار جدلاً واسعاً بين الناشطين والمهتمين بالشأن العام.

وتأسست “الأمانة العامة للشؤون السياسية” بقرار صادر عن وزير الخارجية في سلطة دمشق أسعد الشيباني في آذار 2025، في خطوة قالت الوزارة إنها تهدف إلى “تنظيم الحياة السياسية”. ومن بين المهام التي نص عليها القرار، إدارة أصول حزب البعث وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية التي تم حلها، والإشراف على تنظيم الفعاليات السياسية المختلفة.

غير أن هذا التأسيس لم يمر دون انتقادات، فقد أثار القرار موجة من الجدل القانوني، خاصة من قبل خبراء القانون ومراقبي الشأن السياسي السوري. واعتبر كثيرون أن منح وزارة الخارجية سلطة إدارة الشؤون السياسية الداخلية، بما في ذلك التصرف بأصول الأحزاب السابقة، يشكّل تدخلاً مباشراً من السلطة التنفيذية في العمل المدني، وخرقاً لمبدأ فصل السلطات، وللإعلان الدستوري الذي صدر عن رئاسة الجمهورية عقب التغيير السياسي، والذي نص صراحة على ضمان استقلالية النشاط المدني والسياسي في البلاد.

موقف قانوني مثير للجدل

المحامي السوري المعروف، عارف الشعال، كان من أوائل من علقوا على القرار عند صدوره، حيث كتب:

“أن يقوم وزير الخارجية بإنشاء هيكل سياسي يخضعه لوزارته، ويستخدم الأموال المصادرة لأحزاب الجبهة التي باتت من أملاك الدولة، فهذا يخالف المصلحة العامة التي تقتضي أن يتبع هذا الهيكل لجهة داخلية عليا كرئاسة الجمهورية، لا علاقة لوزارة الخارجية بها، مع الاحترام لكافة المسوغات التي ذكرها بعد كلمة (بناء) الواردة بمطلع القرار!!!”.

ورأى الشعال أن الخطوة تعكس تضارباً في الصلاحيات وغياباً للمسؤولية المؤسسية في التعامل مع الملفات السياسية الحساسة، وأن تأسيس “الأمانة العامة” بصيغتها الحالية قد يقود إلى احتكار العمل العام باسم تنظيمه.

حتى اللحظة، لم تصدر أي تصريحات رسمية من مسؤول الشؤون السياسية في درعا توضح دور “الأمانة العامة”، أو آلية عملها، أو طبيعة التنسيق بينها وبين بقية الجهات الرسمية في المحافظة. وفي المقابل، صدرت بعض التصريحات من محافظات سورية أخرى، تؤكد أن الأمانة العامة لا تهدف إلى فرض الوصاية، بل تسعى لتنظيم الفعاليات السياسية والمجتمعية وتوفير بيئة آمنة للنقاش العام.

لكن على أرض الواقع، يرى العديد من الناشطين والمراقبين أن الممارسات الجارية في درعا تثير المخاوف من عودة أسلوب السيطرة الحزبية الذي طبع الحياة العامة في سوريا لعقود طويلة تحت حكم حزب البعث. فبينما تؤكد السلطة أن “الشؤون السياسية” تمثل مظلة تنظيمية للعمل العام، يرى المنتقدون أن هذه المظلة تتحوّل تدريجياً إلى مظلة رقابية، تكبح حرية التعبير وتقيّد استقلالية المجتمع المدني، تماماً كما كان الحال في العقود السابقة.

يبقى السؤال معلقاً في أذهان السوريين في درعا: هل جاءت “الأمانة العامة للشؤون السياسية” لتنظيم الحياة السياسية فعلاً، أم أنها تمثل عودة جديدة لروح الوصاية الحزبية، وإن بأدوات حديثة؟ الإجابة لن تكون سهلة، لكنها ستتضح مع مرور الوقت، ووفق قدرة المجتمع المحلي على الحفاظ على استقلاليته، ومواجهة أي محاولات للهيمنة على الفضاء العام.