حمص/ بسام الحمد
بعد سنوات من الحرب والتهجير التي انتهت بسقوط النظام السوري السابق، يواجه فئة من السوريين العائدين إلى مناطقهم تحديات كبيرة في إثبات ملكياتهم العقارية وحماية حقوقهم، مع فقدان الوثائق وضياع السجلات تظهر الحاجة إلى آليات قانونية وشهادات تساعدهم على استعادة ممتلكاتهم وبناء مستقبل مستقر.
وخلال السنوات الماضية، شهدت حقوق الملكية العقارية في سوريا انتهاكات واسعة، أثرت بشكل مباشر على ملايين السوريين الذين فقدوا وثائق ممتلكاتهم نتيجة التهجير أو القصف والحرائق، إضافة إلى القوانين التي فرضها النظام لإضفاء الشرعية على الاستيلاء غير القانوني للعقارات والأراضي، لا سيما في المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة سابقاً قبل تهجير أهلها.
ومع سقوط نظام بشار الأسد تبرز الحاجة لمعالجة هذه القضايا في إطار قانوني يراعي مبادئ العدالة الانتقالية، بهدف إعادة الحقوق إلى أصحابها وضمان الاستقرار، وتسريع عملية إعادة الإعمار في سوريا.
ومن أبرز التحديات القانونية المتعلقة بالممتلكات العقارية في سوريا، وسبل حماية حقوق السوريين المهجرين وضمان عودتهم إلى منازلهم وأراضيهم بشكل يضمن كرامتهم واستقرارهم في وطنهم، فقدان الوثائق وضياع الملكية.
وتهجر آلاف السوريين من مدينة حمص ومدن أخرى بعد اقتحامها من قبل قوات النظام، وفقدوا جميع الوثائق الخاصة بممتلكاتهم، لذا فإن هناك صعوبات عديدة تواجه الكثير من العائلات السورية لاستعادة ممتلكاتها، خصوصاً في ظل فقدان الوثائق القانونية وغياب السجلات الرسمية.
وحول مثل هذه الحالات وكيفية إثبات الحقوق العقارية لمن فقدوا وثائقهم، يقول محامين إن ذلك ممكن من خلال شهادات الشهود المحليين مثل الجيران أو الأقارب الذين يعرفون تاريخ الملكية، أو الوثائق البديلة مثل الصور القديمة للعقار أو فواتير الكهرباء والماء التي تحمل اسم المالك.
ولا بد أيضاً من حماية ممتلكات المهجرين عن طريق الإجراءات القانونية، والتي تشمل توثيق الملكيات في نظام رقمي حديث لحفظ جميع سجلات الملكية العقارية، ومنع أي بيع أو تغيير في وضعية العقارات حتى يتم حل النزاعات، بالإضافة إلى تأسيس لجان مستقلة تعمل على مراجعة قضايا الملكية وإعادة الحقوق لأصحابها.
ويشيرون إلى أن هناك بعض التجارب الناجحة في مناطق شمالي سوريا حيث أعادت المجالس المحلية تنظيم السجلات العقارية وتوثيقها بشكل رقمي لضمان حمايته، كما تم تشكيل لجان محلية للنظر في النزاعات العقارية وتسويتها بناءً على الأدلة المتوفرة.
وأكدوا على أن هذه التجارب يمكن أن تكون نموذجاً يُحتذى به على نطاق أوسع، مشددين على ضرورة تعزيز نظم التوثيق الرقمي والتعاون مع المنظمات الدولية لتوسيع هذه الجهود وحماية حقوق الملكية للسوريين في جميع المناطق.
وأصدر النظام السوري السابق عدة قوانين أثرت على حقوق الملكية العقارية للسوريين، والتي مكنته من شرعنة الاستيلاء على ممتلكات المعارضين بتهم واهية، حيث يُعتبر كل من غادر مناطق النظام عرضة لتهم “دعم الإرهاب”، مما يتيح له مصادرة ممتلكاتهم دون محاكمات عادلة.
ومن أبرز القوانين التي أثرت على حقوق الملكية العقارية في سوريا القانون رقم 10 لعام 2018، الذي أتاح للنظام إعادة تنظيم المناطق العقارية ومصادرة الممتلكات دون تعويض عادل، مما أدى إلى تهجير آلاف السوريين.
يضاف إلى ذلك القانون رقم 19 لعام 2012 والذي يندرج ضمن قوانين مكافحة الإرهاب، ويتيح مصادرة أملاك الأشخاص المتهمين بـ”الإرهاب” من قبل النظام، مما جعله أداة سياسية لمصادرة أملاك المعارضين أو حتى من يُشتبه في معارضتهم، كما يسمح القانون بتجميد أموال وأملاك الأفراد المتهمين ويشمل العقارات المملوكة للمعارضين السياسيين وعائلاتهم.
ويؤكد قضاة على ضرورة معالجة هذه القوانين وإلغاء جميع النصوص التي تتعارض مع حقوق الملكية الفردية، وتبني تشريعات جديدة تضمن حماية الملكيات وإعادة الحقوق لأصحابها، موضحين أن حقوق الملكية العقارية في سوريا تعرضت لانتهاكات جسيمة على يد النظام خلال الحرب، ومعالجة هذه القضايا تتطلب جهوداً قانونية واسعة وعدالة انتقالية شاملة تعيد الحقوق لأصحابها وتمنع تكرار هذه الانتهاكات مستقبلاً.
وحول خطورة هذه القوانين، نشرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” و”الشبكة السورية لحقوق الإنسان” تقريراً في 18 من تموز الماضي وثقتا فيه سلسلة من “قرارات الحجز الاحتياطي” التي أصدرتها وزارة المالية التابعة للنظام منذ بداية عام 2024.
واستهدفت تلك القرارات أملاك مئات الأشخاص وعائلاتهم في بلدة زاكية الواقعة جنوب العاصمة دمشق، وأكدت “رايتس ووتش” حينذاك أن ذلك التجميد الجماعي للأصول يشكل “عقاباً جماعياً وانتهاكاً للحق في الملكية” من قبل النظام.
وتمثل العقارات والأموال غير المنقولة ثروة وطنية لأي بلد، ويُعد حق التملك والملكية من أكثر الحقوق حماية وحصانة في المواثيق الدولية والقوانين الوطنية، فقد نصت المادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه “لا يجوز تجريد أحد من حقه في التملك”.