رياض درار
تطورات مابعد كورونا، وقياس أزمة ترامب، وفشله في إدارة ملف الوباء المستشري والذي جعل أمريكا في المرتبة الأولى، متفوقة على الصين وإيطاليا واسبانيا، وكان يجب التنبه له والتحسب لولا النظام الاقتصادي وحسابات ترامب الربحية، على حساب برنامج التأمين الصحي الأوبامي.
مع الوباء، بعض التطورات الاقليمية شهدت تحركات، من ضمنها مواجهات وتصعيد مع إيران في الخليج وفي العراق وسوريا، كان لاسرائيل مشاركات عملية فيها في سوريا ولبنان، وفي ساحة أخرى تصعيد مع الصين، وتهم بأنها تسببت بنشر وباء كورونا مايجعل ذلك مبررا لاندفاعات جديدة يمكن أن تتطور إلى مواجهات.
وترامب أمام الأزمة التي سببها كورونا قد يهرب إلى الأمام ويدفع إلى مواجهات مسلحة، تهدف إلى استرجاع رصيده المتراجع، والتهديد الذي تنتظره الانتخابات الرئاسية نهاية هذا العام.
إن الأزمات تدفع الحكومات التي تواجه ضغوطا لمثل هذه الحالات من الحروب لتغطي فشلها، رغم أن أمريكا لم تكن تحتاج خوض هذه الحروب التعويضية، لأنها باستمرار كانت تترك المتحاربين يستنفذون قدراتهم، وحين يحتاجون إلى تدخل تكون أميركا إلى جانب المنتصرين، كما حصل في الحرب الثانية إذ دخلت في نهايتها إلى جانب الحلفاء.
يستطيع المتتبع أن يجد أن الرؤساء الثلاثة الأخيرين للبيت الأبيض لم يكونوا بمستوى الحلم الأمريكي، فقد كانت دول تتضخم وتتقدم، بينما بقيت أمريكا على حالها تدير الأزمات وتربح من إدارتها، لكنها تخسر شعاراتها وتخسر صداقاتها، ودول الخصوم تتقدم اقتصاديا كالصين، وحضورا دوليا منافسا كروسيا، وتهديدا لاستراتيجيتها كإيران، وخسارة لأصدقائها الأوربيين وتركيا.
أمريكا دولة قوية، لا يهددها استعادة روسيا حضورها الدولي، ولكن التقدم الاقتصادي للصين، التي صارت تنافس الاقتصاد الأمريكي حيث امبراطورية تنشأ، وامبراطورية في طور التراجع والانحسار يصيبها بالذعر. وقد يدفعها لحرب تمنع الصين من التقدم والنمو، وتمنع روسيا من الحضور المنافس. مع أن الحروب لم تستطع منع الآخرين من التقدم، وحروب أفغانستان والعراق التي بدأتها أمريكا لاستعادة الهيبة المجروحة بعد 11 أيلول. أجبرتها المقاومة أن تتراجع وتنسحب، وصعدت قوى بدأت تؤثر على حسابات أمريكا العسكرية، وكانت إيران شجرة الأشواك التي خرجت وسط الحديقة التي زرعتها أمريكا لتتحكم بالشرق الأوسط بشكل نهائي.
ماتقوم به أمريكا حتى الآن مزيد من التراجعات باسم إدارة الأزمات، وقرارات الرئاسة الأمريكية من أجل الفوز بتجديد للرئاسة يجعل مصالح الآخرين من الحلفاء والأصدقاء تضيع بسبب وعد انتخابي مهما كانت الخدمات المقدمة، وهو ماحصل في وعود أوباما التي فسحت المجال لتقدم داعش على حساب العراق، ومن ثم سوريا، ووعود ترامب الذي خذل الشركاء في شمال شرق سوريا بعد القضاء على تنظيم داعش.
تستطيع أمريكا حل المسألة السورية، وفرض هذا الحل بما تملك من ضغوط على الأطراف، وحينها يمكنها رسم سياسات مابعد سوريا، لأن حسابات السياسة ترى كل تهاون في ايجاد هذا الحل يعني أن ادارة الأزمة بالأسلوب المتبع يدفع لاستمرار الأزمة واتساع المواجهة التي لن تخدم الوجود الأمريكي في المنطقة، ولن توقف التقدم الروسي والصيني والايراني، ويعجل بخروج تركيا من التحالفات القديمة، وسيضعف الدور الأمريكي، ويجعله ينحسر.
كورونا تؤثر على القرار الأمريكي، وتفشي الوباء المتزايد حتى وصل إلى حاملات الطائرات التي تجوب البحار، سيحمل صاحب القرار الأمريكي على السكون، والتعايش مع الأحداث عبر تحركات تمثيلية من نصب الباتريوت في قواعد العراق، إلى تنقلات بين القواعد والتجمعات، ومع فجيعة حلفاء أمريكا من مساعدات لم تصل مع تزايد الوباء، وحصولهم على المساعدة من الصين وروسيا وكوبا خصوم أمريكا، فإن الثقة ستتزعزع، والتحالفات التاريخية ستتهدد، وتحالفات جديدة قد تنشأ، وأمريكا التي لاتسعى إلى خوض حروب قد يكون أمامها سيناريو العزلة، وترك العالم يتخبط، وقد تنشأ حروب لإعادة تشكيل المناطق. وبعد الوهن الذي يصيب الجميع تتدخل لتشارك في حسم النهايات كما فعلت في الحرب الثانية وتربح من جديد، وغير ذلك فإن سيناريو تسويات كبرى تعيد رسم العالم يمكن أن تنشأ بين أمريكا وبين الصين وتكون روسيا طرفا فيه، وهو من تصورات الحالمين. وفي كلا الاحتمالين وحتى تتحقق، قد تفنى شعوب، وتذوب حدود، وتنتهي دول، بعدها ننظر كيف يكون شكل هذا العالم الجديد.