تقرير/ سلاف العلي
ارتفعت أسعار التحاليل الطبية في اللاذقية، حيث بات المريض بحاجة إلى مبالغ كبيرة لتغطية نفقاته الصحيّة خاصة بالمراجعات الدورية، وسط تسعير عشوائي على مبدأ كل مخبر يسعر على ليلاه، مع غياب لوائح الأسعار الرسمية، فقد ارتفعت أسعار التحليلات الطبية في مدينة اللاذقية وضواحيها في جبلة والقرداحة والبهلولية ومشقيتا وكسب وصلنفة والحفة والقطيلبية والصنوبر وبيت ياشوط وبستان الباشا والمزيرعة، لتصل إلى أرقام خيالية والباهظة جدا، إذا ما تم قياسها بمستوى الأجور والرواتب وخاصة للعاملين في القطاع العام، إضافة إلى تفاوت اﻷسعار بين مخبر وآخر، واكثرية المواطنين في اللاذقية يشتكون من ارتفاع أسعار التحاليل الطبية وعدم ثباتها، فهي تختلف من مخبر لآخر ولا تضبطها نشرة طبية، وهي بذلك تشكل ثقلا وعائقا أمام المرضى وقدرتهم على تشخيص دقيق لأمراضهم، خاصة مع تراجع كافة الخدمات الطبية وصعوبتها.
السيد وليد وهو مهندس مدني أخبرنا عن معاناته مع المخابر في اللاذقية والتحليلات التي يجريها لوالديه وقال: لا تلتزم المخابر الطبية بتسعيرة واحدة، فتختلف قيمة التحاليل بين مخبر وآخر، وذلك يعود لأسباب عدة منها المنطقة التي يتواجد بها المخبر وسمعته، وبالرغم من أن وزارة الصحة التابعة للنظام السوري وضعت نشرة بأسعار التحاليل الطبية إلا أن ذلك لم يقف حائلا دون التلاعب بها، وقد تم تحديد الوحدة المخبرية بـ 3500 ليرة للمخابر العامة و5آلاف للمخابر الخاصة.
وحسب النشرة الصادرة عن وزارة الصحة يتم وضع السعر لكل تحليل بناء على عدد الوحدات التي يحتاجها، ويبلغ سعر تحليل التعداد العام 45 ألف ليرة، والسكر 9آلاف فيما تبلغ تكلفة حمض البول 16ألف ليرة، والشحوم والكوليسترول 18ألف ليرة لكل واحد منها، ترتفع الأسعار لتحاليل الفيتامينات فتحليل فيتامين د 115ألف ليرة حسب النشرة، وفيتامين b12 90 الف ليرة سورية، ويبلغ تحليل الحمل الرقمي 75 ألف ليرة أما الحمل العادي 18 ألف وتختلف من مخبر لآخر ليرة، فيما ترتفع تحاليل الجرعات السرطانية الخاصة بالدم لأكثر من 400 ألف وتقترب من 600 ألف في بعض المخابر وذلك بسبب صعوبة تأمين المواد الخاصة لفحص العينات، ومن جهة ثانية يشتكي أصحاب المخابر من قلة الربح وقلة المراجعين، ومن اشهر يقولون ان التسعيرة الجديدة للتحاليل الطبية ستصدر خلال شهر تقريبا، بما يتوافق مع قدرة المواطن واستمرار تقديم خدمة المخابر، علما أن آخر تسعيرة للتحاليل المخبرية صدرت عن وزارة الصحة عام 2015، وأخيرا اكد ان ارتفاع أسعار التحاليل الطبية سببها ارتفاع سعر الصرف، لأن المواد الأولية الخاصة بالتحاليل الطبية مستوردة، لا يوجد إنتاج محلي لهذه المواد.
السيد جمال وهو دكتور مخبري في القرداحة أوضح: أن هامش الربح عند المخابر أقل بكثير مما كان عليه قبل سنوات الحرب، أي أن تحليل السكر بلغ سعره 100 ل.س عندما كان سعر الصرف 50 ل.س، وحاليا سعر الصرف تغير في المصرف السوري المركزي، وبالتالي تغير سعر تحليل السكر إلى 9000ل.س ، إضافة الى تكاليف التجهيزات، وسوء وضع الكهرباء، وأجور الموظفين، واكمل : مازالت بعض المخابر تقدم خدمة تحليل السكر مباقل من المنشور، ولا يوجد أي شكوى من المواطن حول ارتفاع أسعار التحاليل الطبية، لكن مواد بعض التحاليل النوعية غير متوفرة بسبب العقـوبات أحادية الجانب على بلدنا، علما أن المخابر تعمل على شحن العينات خارج القطر ما يسبب عبئا على المواطن، أما تحاليل الأمراض الطارئة والشهرية موجودة، وأضاف لا نستطيع وضع مواد بديلة للأجهزة، ولا نستطيع شراء أجهزة جديدة لارتفاع ثمنها، حيث أن شركات التأمين لم تعد تغطي حاجة المرضى في ظل ارتفاع أسعار التحاليل الطبية، الأمر الذي زاد الأعباء والتكاليف عليهم.
السيدة هالة وهي طبيبة اسرة قالت بشكل واضح: لا تلتزم معظم المخابر بالأسعار في النشرة الصادرة عن مديرية الصحة، قليلة هي المخابر التي تلتزم بالنشرة لأنها لا تتناسب مع أسعار المواد المخصصة للاختبارات والتي ترتفع مع كل زيادة بسعر الصرف، وبالنسبة للربح الذي تحققه المخابر فهو منخفض جدا، كما يدعي أصحاب المخابر، إضافة الى أن عدد المراجعين يتناقص بسبب سوء الأوضاع المعيشية، ويتعاقد معظم الأطباء مع مخابر محددة فيرسل الأطباء مرضاهم للمخبر و يعطي المخبر الطبيب نسبة من الربح مقابل ذلك، والمريض هنا ملزم بإجراء التحاليل لدى هذا المخبر مهما بلغت أسعاره، وتتراوح تكاليف تحاليل الدم بين 45 الى 60ألف ليرة وسطيا، وتحاليل الغدة بين 75 الى 90ألف، بينما تتجاوز تكلفة التحاليل الهرمونية الـ 80 ألف ليرة، والفيتامينات تتجاوز حدود الـ 400ألف، وتختص مخابر معينة بتحليل الخزعات أو التشريح المرضي حيث تبدأ تكلفة التحليل الواحد فيه 600 ألف ليرة، وتحاليل الدم الخاصة بالكشف عن تماشي المريض مع علاج الجرعات السرطانية بين 300 الى400 ألف ل.س، وربطت بعض المخابر سبب ارتفاع أسعار التحاليل بصعوبة تأمين المواد اللازمة لفحص العينات المخبرية، إضافة لضعف الكوادر المخبرية والخسارة التي تقع على عاتق المخابر مع نسب تغطية التأمين الصحي، وهو ما يبرر عدم تغطية الكلف التأمينية لمعظم التحاليل الطبية.
السيدة امل وهي معلمة متقاعدة اشارت الى أن الكثير من أنواع التحاليل غير متوفرة لدى مشافي القطاع العام باللاذقية، ما يدفعنا باتجاه المخابر الخاصة، إضافة لاعتماد بعض الأطباء الطلب من المريض اللجوء إلى مخبر معين دون غيره تحت مبرر أن هناك دقة بتحاليله، وواضح ان ارتفاع أسعار التحاليل المخبرية يرجع إلى اسم المخبر، وهو ما بات متعارف عليه، فمعظم المخابر تتقاضى أجورها المرتفعة من الاسم فقط، في الوقت نفسه يمتنع الكثير من المرضى عن إجراء التحاليل لعدم قدرتهم على دفع تكاليفها، رغم أن هناك أنواعا من الأمراض تحتاج لتحاليل من أجل دقة العلاج، وقد تتعرض حياتهم للخطر دونها.
السيدة انطوانيت اضافت قائلة: غالبا ما يتعاقد كل مشفى مع مخبر محدد، يرسل المرضى إليه، وعلى المرضى أن يمتثلوا لذلك، خاصة إن كانت حالاتهم حرجة، ولا يأخذ الأطباء بعين الاعتبار وضع المريض وقدرته على دفع تكاليف التحاليل، بالرغم من ان الكثير من المخابر الطبية الخاصة في اللاذقية تعاني من قِدم تجهيزاتها المخبرية وتعطل بعضها الآخر منذ سنوات دون إصلاحها أو استبدالها بأجهزة جديدة بحجة العقوبات الغربية، وبينما ترسل بعض هذه المخابر عينات التحليل إلى دمشق او حلب لإجراء التحاليل يضطر المرضى للانتظار أسابيع كي تصل النتيجة، لكن يبدو أن السبب الحقيقي ليس العقوبات، حيث أن السبب وراء عدم الإصلاح أو التجديد هو أن هناك مخابر في اللاذقية وجدت أن التعاون مع مخابر بدمشق او بحلب أفضل من شراء أجهزة جديدة، رغم انتظار المرضى نتائج هذه التحاليل لأسابيع.
السيد حمزة الدكتور المخبري أوضح: أن أسعار التحاليل ارتفعت بنسب كبيرة بما يفوق قدرة أغلب المواطنين، وأن كثيرا من المرضى يدفعون جزءا من قيمة التحليل لدى وضعه في المخبر والجزء الآخر لدى الاستلام بعد أن يستدينوا باقي التكلفة، وهناك الكثير من التحاليل التي لا تجرى في اللاذقية وترسل إلى محافظات أخرى بسبب قدم وتعطل الأجهزة المخبرية أو عدم توفر المواد الطبية المستخدمة في التحاليل: سرنغات، إبر، كواشف وغيرها، ويوضح أن هناك مخابر لم تعد تجري المعايرة اليومية للأجهزة المخبرية وتستخدم كواشف بنوعيات رديئة تكون نسبة الخطأ فيها أكبر.
السيدة رباب وهي موظفة بمجلس البلدية في المزيرعة قالت : إذا أراد شخص إجراء تحاليل طبية، سواء تحاليل الدم أو تحاليل عامة، فإن ذلك يكلفه ضعف راتبه أو ربما أكثر، وأحيانا يأخذ الناس الاستشارة من الصيادلة أو عبر الإنترنت، لتجنب تكاليف إجراء التحاليل الطبية، وهذا يعرض البعض لنكسات أو آثار جانبية مضرة، ولكن إذا لم يكن لدى المواطن القدرة المادية لإجراء الفحوصات الطبية، فلا خيار أمامه سوى اللجوء إلى هذه الأساليب، وفي الحقيقة لم يعد الناس يهتمون بصحتهم بعد هذا الغلاء الفاحش وسط تدني الرواتب والمداخيل، كما أن سعر كل شيء يرتفع من حين لآخر ، ابتداء من المواد الغذائية وليس انتهاء بالطبابة وغيرها، فراتب الموظف، بات لا يكفي سوى لبضعة أيام فقط، القطاع الصحي يواجه خطر الانهيار، مع استمرار تراجع مستوى الخدمات في المشافي وهجرة الكوادر الطبية، حتى وصل الأمر إلى تراجع جودة الخدمات في المخابر الطبية، فضلا عن الارتفاع الكبير في أسعارها، الأمر الذي أدى إلى عزوف المرضى عن زيارة المخابر.
السيد الطبيب فيصل في مستوصف بيت ياشوط قال لنا: من الغريب عدم وجود عدد من التحاليل الطبية في المشافي الحكومية التي تقدم خدماتها بأجور رمزية، على حين يستطيع المريض إجراءها في أحد المخابر الخاصة المنتشرة في محافظة اللاذقية لكن بأجور كبيرة جدا وبأضعاف مضاعفة عن الأسعار الرسمية، في الوقت الذي تعاني منه عدد من المشافي بوجود نقص في بعض التحاليل المخبرية وخاصة الهرموني الغدد وغيرها، يتوفر كل ذلك في القطاع الخاص، وفي إطار واقع أسعار التحاليل الطبية، فإنه لا يوجد سعر ثابت لدى المخابر، ويؤكد عدد من العاملين في بعض المخابر بوجود تأثيرات كبيرة على المخابر نتيجة ظروف الأزمة، ما دفع العديد من المخابر إلى تغيير المهنة، أو رفع الأسعار نتيجة التكاليف والمستلزمات التي يؤمنونها على صعيد ارتفاع تكاليف العمال، وحوامل الطاقة، والإيجارات، والارتفاع الكبير للمواد الأولية، والتجهيزات وكافة التفاصيل المتعلقة بعمل المخابر وتقديم خدماتها للمرضى.
السيد خالد وهو مخبري في أحد المخابر بالحفة أشار الى أن الرفع الذي يطرأ على التحليل المخبري لا يغطي الكلف الحقيقية، خاصة أن عددا من المخابر أُغلقت خلال الفترة الماضية، ومنهم من فكر بتغيير مهنته نتيجة للأعباء الكبيرة، حيث أن تسعيرة وزارة الصحة بالنسبة للتحاليل الطبية لم تعدل منذ أكثر من عشر سنوات، وبالتالي، فإن المخابر العاملة تسعر حسب مزاجها دون أي تقيد بالأسعار الرسمية الصادرة نتيجة عدم مواءمتها للظروف الراهنة وواقع المعيشة، فإن الزيادة هي بهامش ربح بسيط، مع وجود تفاوت واضح بالأسعار.
السيدة عائشة وهي موظفة في مجلس بلدية البهلولية شرحت وأوضحت : أن هناك معاناة في إنجاز كل التحاليل في المشافي الحكومية في ظل عدم وجودها كاملة، ليضطر المريض إلى اللجوء مباشرة إلى المخابر الخاصة للحصول على التحليل المطلوب من الدكتور المختص أو من المشفى ذاتها، أو هذا الأمر يدفع ببعض الأطباء إلى الطلب من المريض اللجوء إلى مخبر معين دون غيره تحت مبرر أن هناك دقة بتحاليله، علما أن 70 بالمئة من التحاليل متوافرة في المشافي الحكومية باللاذقية، ويتم تنفيذها بشكل يومي، مع وجود نقص بنسبة من التحاليل المناعية والهرمونية، وخاصة في الحصار الاقتصادي والمناقصات وعدد من الإجراءات المتخذة، وخاصة أن أسعار المواد الأولية لهذه التحاليل كبيرة في ظل ارتفاع أسعار موادها الأولية.
السيد فادي وهو طبيب في إحدى مستشفيات جبلة، أضاف أن سعر الفحوصات يرتفع بسبب ارتفاع أسعار كل شيء من جهة، ولأن مستلزمات الفحوصات تأتي من الخارج وبالعملة الأجنبية. أما انقطاع بعض التحاليل في المستشفيات الحكومية، فيرجع إلى ارتفاع تكاليف المستلزمات المخبرية، وهو ما أدى إلى تراجع وزارة الصحة عن إمداد المستشفيات ببعض المستلزمات المخبرية باهظة الثمن ، وأشار إلى أن أسعار التحاليل وأجور الكشفيات الطبية والأدوية ستستمر في الارتفاع إذا بقيت الليرة السورية في تدهور تدريجي، وبالتالي يجب على الحكومة إما رفع رواتب الموظفين بما يتناسب مع الواقع المعيشي أو وضع حلول للحد من ارتفاع الأسعار وتدهور الليرة السورية، أن المخابر الطبية في اللاذقية، دخلت حيز المتاجرة بآلام المرضى، من خلال أجور التحاليل التي تتفاوت بشكل ملحوظ بين مخبر وآخر في المدينة ذاتها، لا يبعدان عن بعضهما سوى أمتار قليلة، وتأتي فوضى وتفاوت أجور المخابر الطبية، متزامنة مع ارتفاع أجور معاينة الأطباء وتفاوتها بين طبيب وآخر، وكذلك ارتفاع أسعار الأدوية.