لكل السوريين

اثنا عشر عام من التشرد.. عمالة الاطفال وبعدهم عن المدارس، يودي بكارثة سوريا مستقبلية

تقرير/ رشا جميل

“سأخبر الله بكل شيء” كان أخر ما يتفوه به طفل قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.  قد لا تتسع مخيلة الأدباء والكتاب لسرد أحداث في سوريا والمثقلة بحكايا حبرها دم وتختلف عن غيرها من الروايات بأن لا نهاية واحدة لها إنما نهايات متعددة لشكل الموت.

قد يُحزننا مشهد رجل مسن يبكي وهو جاثم على ركام منزله بعد أن سوّته القذائف الحرارية وغيرها أرضًا، أو امرأة تنزف دمًا وبيديها حذاء وكراس وقد عجزت عن إنقاذ زوجها وابنيها، لكنه من المؤكد أنّ قلوبنا لا تنفطر إلا بعد دخول الأطفال كادر الصورة أو الفيديو وبعد أن تنقل لنا العيون الشاخصة قصصًا صامتة ومروعة عن الخوف والجوع والفقد، وتتكلم الأفواه الصغيرة بكلمات لا يُمكن للذاكرة سوى تخليدها في رف القهر الإنساني.

فوفقًا لمنظمة اليونيسيف فإنّ أكثر من 80% من الأطفال في سوريا تأثروا بسبب النزاع بين الجهات المسلحة أو القوات الحكومية، حيث يوجد حوالي مليوني طفل سوري لاجئ بحاجة إلى دعم وعلاج نفسي، وبحسب تقديرات اليونيسيف لعام 2019، تعرّض 532 طفلاً للقتل أو الإصابة بجراح، بما فيهم 359 طفل تعرض للقتل أو الإصابة في شمال غرب سوريا، بالإضافة إلى تجنيد 292 طفل في القتال منذ بداية عام 2014.

وفي داخل سوريا، تعرّض أكثر من 4,500 طفلاً للقتل. فيما تعرّض أكثر من 3,000 طفلاً للإصابة بجراح. إضافة إلى تجنيد أكثر من 3,800 طفل في القتال.

هذه الحرب الطويلة أو ما سمي بالأزمة السورية على مدى 12 عاماً، حوّلت الفتيات إلى زوجات مبكرات بعد أن أجبرتهن الفاقة والحاجة وفقدان الأبوين على ذلك، وحرمت الأطفال من التعليم نتيجة تدمير مدارسهم أو تحويلها إلى ملاجئ ومستشفيات، ووفقاً للتقارير الصادرة عن المنظمة ذاتها فقد بلغ عدد الأطفال النازحين 2.6 مليون في الدول المجاورة لسوريا، في حين وصل العدد الكلّي للأطفال اللاجئين المسجلين في دول الجوار إلى أكثر من 2.5 مليون.

وفي السياق ذاته، فإنّ الحروب والصراعات المسلحة قد تجعل من عالم الطفل أكثر تعقيدًا على اعتبار أنّها تقف، من منظوره، وراء سلبه لحقوقه الأساسية كالتعليم والإيواء، وسلخه من بيئته الطبيعية وحرمانه من الإحساس بالأمان، وهو ما يعني بالضرورة أنّ الحروب قد تدفعه إلى حالة من الانهيار نتيجة حالة الرعب التي تهيمن على ذاكرته.

كما أنّ نصف الأطفال السوريين بين سن 5 و17 عامًا بقوا بلا تعليم، حيث يعاني أكثر من 2.1 مليون طفل في سوريا من التسرب التعليمي، أي أن هناك ما يقارب 1.3 مليون طفل عرضة لخطر التسرب، ومن بينهم أكثر من 318 ألف طفل في شمال غرب سوريا و 78 ألف داخل المخيمات، معظم هؤلاء الاطفال تسرب من التعليم نتيجة عدة أسباب أبرزها عمالة الأطفال نتيجة ارتفاع التكلفة المعيشية وعدم قدرة الأهالي على تأمين مستلزمات الطفل التعليمية، وبعد المنشآت التعليمية عن مناطق السكن، بالإضافة إلى حالات الزواج المبكر.

كما أن هجمات النظام السوري وروسيا دمرت مئات المدارس، حيث بلغ عدد المدارس المدمرة والتي أخرجت عن الخدمة أكثر من 800 مدرسة بينها 170 منشأة تعليمية في شمال غرب سوريا خلال السنوات الثلاثة الأخيرة. وتعاني أكثر من 95 مدرسة من الاستخدام الخارج عن العملية التعليمية واشغالها في مهمات غير مخصصة لها.

وقد ذكرت منظمة الأمم المتحدة في تحقيقاتها أن 385 هجوماً تم على المرافق التعليمية واستخدم أكثر من 50 مدرسة لأغراض عسكرية، تعرضت حوالي 40% من البنية التحتية للمدارس للضرر أو للدمار، أما في مخيمات النازحين التي تضم أكثر من 1.8 مليون نازح، يوجد أكثر من 67% من تلك المخيمات (988 مخيم) لا تحوي نقاط تعليمية أو مدارس.

حيث يضطر الأطفال إلى قطع مسافات طويلة ضمن العوامل الجوية المختلفة للحصول على التعليم. كما فقد الكثير من المعلمين حياتهم نتيجة الهجمات العسكرية من قبل جهات مختلفة، عدا عن هجرة المئات منهم، وتحول جزء آخر إلى أعمال اخرى نتيجة انقطاع دعم العملية التعليمية، حيث تعاني أكثر من 35% من المدارس من انقطاع الدعم عنها، كما بلغت نسبة الاستجابة لقطاع التعليم 31% فقط خلال العام الماضي، بسبب التوجه إلى خصخصة التعليم “التحول إلى القطاع الخاص” بزيادة قدرها 18% عن العام الماضي، الأمر الذي زاد من نسب التسرب وحرمان آلاف الطلاب من التعليم، وتواجه المدارس العامة ازدحامات هائلة ضمن الصفوف المدرسية، وصلت إلى نسبة 42% كمتوسطة الازدحام، و 20% مزدحمة جدا.

وتعتبر الحرب في سوريا والنزوح واللجوء أهم عوامل التي نتجت عنها ظروف اقتصادية صعبة وقاهرة، الامر الذي دفع الأطفال إلى العمل من أجل إعالة أسرهم، واغلب الاعمال التي يؤدِّيها الأطفال شاقة رغم صغر سنّهم، حيث يعملون في المصانع أو المخابز أو ورشات تصليح السيارات وفي حضائر البناء، ومنهم من يمارس أعمال نقل البضائع وتحميلها، والكثير من الأعمال الأخرى أخطرها الانخراط في دوائر العنف بشكل مباشر عن طريق العمليات القتالية، بينما تحول غالبيتهم إلى بائعين جوَّالين في الشوارع، وقد قادهم هذا العمل إلى عوالم الجريمة بأنواعها كالسرقة والإدمان وقدرت نسبة الأطفال السوريين العاملين بـ 20% من إجمالي نسبة العاملين، مقارنة بـ 10% قبل الحرب، يعني أن عدد الأطفال الذين دخلوا سوق العمل تضاعف في ظل الازمة.

ونقلاً عن موقع صحفي تحدث عن عمالة الأطفال، قال طفل عامل: عندما يأكل الناس الرمان، فكأنهم يأكلون جسدي، وعافيتي»! هذا الطفل البالغ من العمر 12 عاماً، هو أحد الاطفال الذين يعملون في جني محصول الرمان، وقد وصف الموقع هذا العمل بالاستعباد، حيث تعد مناطق حوض العاصي، الممتدة من مدينة دركوش، وصولاً إلى حارم، الأغنى ببساتين الرمان في شمال غرب سوريا، ويعتمد التجار والمستثمرون في جني محصولهم، على الأطفال المهجرين لأنهم يرضون بالأجر القليل، على الرغم من مخاطر العمل مثل تسلق الأشجار، وقطع الثمار بأدوات حادة، وحمل أوزان ثقيلة، ويقدر عدد الأطفال الذين يتم استغلال فقرهم لجني الرمان، بما يزيد عن 300 طفل، أغلبهم من مهجري ريف إدلب الجنوبي، وحمص، وريف دمشق.

من جهة أخرى سلط تقرير لصحيفة “الشرق الأوسط” الضوء على عمالة الأطفال في جمع الحطب شمال غرب سوريا لتأمين مبالغ بالكاد تكفي ثمن الخبز. أحد الأطفال تحدث عن عمله بجمع الحطب قائلا: أنهم يصعدون إلى الجبل كل يوم، ويجمع كل طفل منهم حوالي كيس حطب ويقومون ببيعه في السوق بـ30 ليرة تركية لشراء الخبز وحوائج الطبخ لعائلاتهم، طفل أخر يبلغ عمره 14 عاما، وهو نازح مع عائلته من ريف إدلب الجنوبي، يعمل أيضا بسبب حاجة أهله للنقود لشراء الطعام بجمع الحطب وبيعه، ليعود مساء إلى خيمته “التي لا يوجد فيها سوى بعض قطع الإسفنج والأغطية، وبعض الأواني المنزلية الخاصة بالطبخ وإعداد الطعام.

ويتكرر المشهد بصورة أخرى، أطفال الشوارع، حيث الطرقات مزدحمة بالكثير من الأطفال الذين يحملون علب البسكويت والمحارم لبيعها، أو قطع قماشية لتنظيف السيارات، أو متسولين يطلبون النقود، ومعظم هؤلاء يجلسون وينامون تحت الجسور وعلى الأرصفة مفترشين بساطا صغير يشكل جميع ممتلكاتهم.

وقد انتشرت حالات “التسول” في عموم سوريا بسبب تردي الوضع الاقتصادي، في حين امتهن معظمهم التسول بعد أن وجدها تجارة مربحة لا تحتاج إلى جهد ولا إلى رأس مال.

وبات التسول في شوارع المدن السورية وبلداتها مشهدا اعتياديا، خاصة أن غالبية الرجال ممن يمتهنون التسول، يجبرون أطفالهم على التواجد في الشوارع باستمرار حتى في الظروف الجوية الصعبة وذلك للحصول على شفقة المارة، في حين أصبح المشهد مؤلما في الشوارع، منهم أيضا مَن يعرض أطفاله الرضع للبيع.

ونقلت صحيفة “الوطن” المحلية، عن معاون وزير الشؤون الاجتماعية والعمل “محمد فراس نبهان”، قوله بآن الأطفال المتواجدين على إشارات المرور أو في الطرقات يندرجون ضمن قائمة التسوّل، وقد قامت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بالتعاون مع وزارات الداخلية والعدل والسياحة، بتخصيص أرقام ثلاثية ساخنة بالتنسيق مع قيادات الشرطة في المحافظات، للإبلاغ عن هؤلاء الأطفال، بعد أن شددت الحكومة عقوبة التسوّل بغرامة تتراوح بين 100 و500 ألف ليرة سورية، وفي حال اصطحاب الأطفال للتسول يتم تشديد العقوبة، وتصل للسجن 7 سنوات في الحد الأعلى وفقاً لتصريح قاضي التحقيق الثاني بدمشق “محمد خربوطلي” وفي شهر كانون الثاني الماضي، أوضح خربوطلي أنّ 99% من المتسولين غير محتاجين ويتخذون التسول مهنة.

تقول المديرة التنفيذية لليونيسف، هنرييتا فور: “لا يمكن أن تمر هذه الذكرى كمجرد معلم قاتم آخر يمر مرور الكرام على نظر العالم، بينما يستمر كفاح الأطفال والعائلات في سوريا”. وأشارت إلى تقارير منظمة الأمم المتحدة، بأن ٩٠ بالمئة من الأطفال السوريين يستحقون الدعم بعد ١٢ سنة من الحرب، واعتبرت عمالة الأطفال مشكلة واسعة الانتشار وأكثرها تعقيداً من بين مشكلات حماية الطفل، مشيرة إلى أنه ورد في تقرير المنظمة الدولية أيضاً أن حوالي 750 ألف طفل سوري في دول اللجوء لا يذهبون إلى المدارس ٤٠ بالمئة منهم من الفتيات.

وأكدت أنه من الضروري إيجاد آليات جديدة تعمل لمصلحة حماية هؤلاء الأطفال من جميع أنواع الاستغلال، وإيجاد مؤسسات لتأهيلهم وإعادتهم إلى الحياة من خلال توفير فرصة التعليم وتأهيلهم وتمكينهم مهنياً بجهود حكومية وأهلية، وتقديم المأوى والرعاية الصحية، خاصة الأطفال الذين فقدوا والديهم أو لا يوجد لديهم معيل، حيث ينعكس الامر عليهم سلبا وبشكل مباشر، تزامناً مع غياب تنفيذ التشريعات القانونية المتعلقة بحماية الطفل ومتطلباته، والتي بقيت قاصرة على إيجاد الحلول لتحسين واقع الطفولة، واقتصر تركيز القرارات والتدابير على الشكل الدعائي أكثر من الفعلي، وعدم وجود مشاركة فعلية من جميع الجهات الرسمية والأهلية.