لكل السوريين

علماء يدرسون تحديات ارتفاع الحرارة في دول الخليج

يعد المناخ من أكثر عناصر البيئة تأثيراً على حياة الإنسان من حيث الإحساس بالراحة أو الضيق. وعادة ما يشعر الإنسان بالانزعاج إذا ارتفعت أو انخفضت درجة حرارة الهواء، بدرجة لا تتلاءم مع حرارة جسمه العادية (37 درجة مئوية).

المناخ والإنسان

ولقياس الراحة الحرارية للإنسان؛ وضع العلماء لها مقاييس وقرائن عديدة لمعرفة مدى تفاعل الإنسان مع الظروف المناخية المحيطة.

إن شعور الإنسان بالراحة لا يتوقف على درجة الحرارة فقط، وإنما على عوامل أخرى، منها الرطوبة النسبية، حركة الرياح، بالإضافة إلى مستوى النشاط الذي يمارسه الإنسان، ونوع الملابس التي يرتديها، والمهنة التي يمارسها، والطعام الذي يأكله، ومدى تأقلمه مع الظروف المناخية المحيطة به.

وفي حال حدوث تغيير في عناصر المناخ نحو الارتفاع أو الانخفاض، فإن جسم الإنسان يحاول أن يتغلب على تلك التغيرات بسرعة من أجل المحافظة على درجة حرارة الجسم العادية. أما في حالة التطرف المناخي الكبير، فإن الإنسان يصاب باختلال حراري؛ مما ينعكس سلباً على راحة الإنسان وصحته ونشاطه.

ومع تزايد تأثير ارتفاع درجات الحرارة على جودة الحياة في عديد من المناطق حول العالم، فإن الآمر بات يمثل تحدِياً جديداً أمام المهندسين المعماريين ومخططي المدن وأنظمة الرعاية الصحية وغيرها.

في هذا الإطار، قام باحثو جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) بالسعودية بتحليل الانزعاج الناجم عن الحرارة الخارجية (في الهواء الطلق) في جميع أنحاء المملكة والمناطق المجاورة للمساعدة في فهم المشكلة ومكافحتها.

الانزعاج الحراري

قام الفريق بفحص التباين والاتجاهات في مقياس يسمّى «قرينة الانزعاج الحراري» (DI)، والذي تم حسابه من واقع سجلات درجة الحرارة والرطوبة التي تم جمعها من 1980 إلى 2018. ويقيِّم هذا المؤشر كيفية اتحاد هذين العاملين ليسببا ضغطاً حرارياً وانزعاجاً.

ومن المدهش أن معظم المدن في المملكة العربية السعودية سجّلت تحسّناً في مستويات «قرينة الانزعاج الحراري» في العشرين عاما الماضية، ولكن ثمة استثناءات هي: ينبع ومكة المكرمة والمدينة والطائف.

يقول الدكتور هاري داساري، الباحث في هندسة وعلوم الأرض بـ«كاوست»، والمؤلف الأول للورقة البحثية «إن الكثيرين كانوا يتوقعون أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة بسبب الاحترار العالمي، وتسارع معدلات التنمية والتمدن في العقود الأخيرة إلى خفض مستويات الراحة البشرية في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية».

لكن ثمة نظرة ثاقبة قيّمة لفتت الورقة البحثية الانتباه إليها، تتمثل في اكتشاف مستوى أكثر تعقيداً في هذه القضية؛ بسبب وجود اختلافات إقليمية في حاجة إلى مزيد من الاستكشاف والبحث؛ إذ إن ارتفاع مستويات «الانزعاج الحراري» تتركَّز أساساً في المناطق المجاورة للخليج العربي، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة وعمان وقطر.

ويقول البروفسور إبراهيم حطيط، أستاذ هندسة وعلوم الأرض بـ«كاوست»، ورئيس فريق البحث، إن النتائج ستساعد السلطات الإقليمية والمهندسين والمعماريين على التخطيط للتطورات الأكثر فاعلية في البنية التحتية، وتصميم البنايات ومؤسسات الرعاية الصحية لتحسين السلامة والراحة في جميع أنحاء المنطقة.

ويتابع قائلاً «نحن نعتزم الآن تطوير أطلس لقيم (الانزعاج الحراري) مع خرائط للمخاطر تبين الاتجاهات من خلال واجهة تفاعلية للتصوير والتحليل عبر الإنترنت، تتيح للمستخدمين من غير الخبراء إمكانية الوصول في الوقت الفعلي، وكذلك نظام للتنبؤ لدعم إدارة مختلف الأنشطة الخارجية، والحدّ من الأعراض المزمنة المتعلقة بالصحة».

ويتوقع الفريق أن تكون مواصلة تطوير هذا البحث مهمة للغاية لدعم عديد من المشروعات العملاقة التي يجري تطويرها حالياً في المملكة العربية السعودية، بما في ذلك مدينة «نيوم» و«مشروع البحر الأحمر» ومبادرات «أمالا» السياحية.