لكل السوريين

“السكبة الرمضانية”.. طقسٌ رمضاني، اختفى!

تقرير/ جمانة خالد

“السكبة الرمضانية”، هي العادة الرمضانية، حيث يتبادل فيها الجيران طبق من الأكلة الرئيسية في الإفطار أو طبق من الحلوى، مما يترك بصمة لا تمحى في هذا الشهر، دون أي أهمية لنوع الطعام الذي في الصحن، وعلى الرغم من إن هذه العادة تساهم في حل الخلافات بين عائلتين إلا أنها بدأت في الآونة الأخيرة بالاندثار في موائد الحمويين.

الشعور السائد لدى الحمويين والسوريين بشكل عام، أن رمضان هو شهر الخير، وعلى امتداد الـ30 يوم يحافظ الناس قدر استطاعتهم على طقوسه وعاداته التي ورثوها عن أجدادهم، لكن في سوريا كانت الظروف المعيشية الصعبة هي حائط الصد التي وقفت أمام استمرار السبكة.

تشير النساء في حماة، إلى أن تقاسم الأهل والجيران لأطباق الإفطار، ولا سيما الأهالي الذين يقطنون ضمن عمارة واحدة، هو من باب الصدقة، فضلا عن أنها فأل خير للتآلف والتراحم، بالإضافة إلى أنها تزيد من تنوع أطباق مائدة الإفطار لدى العائلة الواحدة.

أم توفيق التي تعيش في حي الدباغة، قالت، جرت العادة أن أتبادل أنا وسلفاتي – زوجات إخوة الزوج – الطبخة الرئيسية على الإفطار، فعند نضوج الطبخة تقوم كل عائلة بإرسال أحد أبنائها لتقديم الطبق للعائلة الأخرى، وتستمر الحالة على هذا المنوال.

وبحسب أم توفيق، فإن صحن السكبة يجب أن يكون مليئا، ليدل على كرم العائلة، ويجب أن يحوي ألذ ما طبخته العائلة في هذا اليوم، إلا أن اختفائها من طقوس رمضان ليس بخلا كما تقول، إنما الظروف الاقتصادية الصعبة، وعدم قدرة العائلة على الطبخ يوميا، هي من أوقفت هذا التقليد الرمضاني.

لم ينكر أيهم، المنحدر من قرية خطاب بريف حماة الشمالي، تبدل معظم عادات السوريين منذ أن بدأت الحرب، وطغت آثارها على جميع القاطنين في البلاد، ولربما وحسب حديثه، أن رمضان هذا العام أيضا اختلف عن العام السابق، فالأسعار لم تعد كما في السابق، كما أن اللحمة الأهلية تفككت.

يوضح أيهم، أن غالبية عادات رمضان تبدلت وانسلخت عن السوريين بسبب آلة الحرب التي لا تزال مستمرة منذ 11 عاما، إلا أن عادة السكبة التي اختفت بشكل شبه كلي، لا تزال مستمرة ولكن بشكل بسيط، فلم تعد العوائل ترسل يوميا السكبة، إنما اكتفت فقط بسكبة واحدة أسبوعيا، أو مرة واحد خلال بداية الشهر، ثم تتلاشى مع مرور أيام رمضان.

أيهم الذي يعمل في بقالة مواد غذائية، أكد أن الوضع المعيشي والذي وصفه بالمتردي، هو من أهم الأسباب لإقلاع السوريين عن عادات الكرم، إذ وفقا لقوله، باتت الأسرة لا يمكنها تأمين وجبة إفطار في اليوم، كما أن النزوح والتهجير كان سببا لعدم اختلاط الناس ببعضهم، فالآن الجيران لا يعرفون بعضهم.

وأوضح أيهم، كما أن اختلاف الأطباق من عائلة لأخرى، وردائة المواد التي يضطر رب العائلة لشرائها، من جملة الأسباب التي جعلت من ربات البيوت في سوريا يترددن في إرسال السكبة لجاراتهن ولا سيما القاطنات الجدد.

مع بداية شهر رمضان، تشهد الأسواق السورية حركة خجولة، خاصة في أسواق الخضار والفاكهة، بسبب ارتفاع الأسعار بشكل خيالي، حيث لم تشهده البلاد منذ سنوات طويلة.

وهذا الارتفاع بالتأكيد أدى إلى عزوف نسبة كبيرة من السكان عن شراء الكثير من متطلباتهم وبالتالي تراجع قدرتهم الشرائية إلى أدنى مستوياتها، بحيث لم يعد شهر رمضان كما كان من قبل في سوريا، حيث لم تعد هناك عزائم أو لم شمل عائلي كما في السابق حول موائد رمضان ، فضلا عن شحّ الخدمات العامة مثل الغاز والكهرباء والمواصلات. ما يزيد من التحديات التي تواجه أكبر شريحة من المجتمع السوري، بحسب وسائل الإعلام المحلية.

تعيش الفئة الفقيرة من السكان في سوريا في واد عميق من العوز، بحيث لا يمكن لضغط النفقات أن ينقذهم بأي شكل من الأشكال، خاصة للعائلات التي يزيد عدد أفرادها عن 5 أفراد، حتى لو كان هناك فردين يعملون في الأسرة الواحدة، في ظل تدني الرواتب عموما، حيث يقدر متوسط ​​رواتب موظفي الحكومة بـ156 ألف ليرة سورية.

وبغض النظر عن التعديلات التي أدخلت على وجبة “السكبّة” أو اختفائها، فإنها لا تزال كافية لحل العديد من الخلافات ونقل رسائل المحبة والسلام بين أفراد المجتمع نفسه، حيث يفضل السوريون داخل البلاد عودة الأمان وخصوصا خلال الشهر الكريم، حتى لو كان الطبق الرئيسي في المائدة بسيطا.