لكل السوريين

إنتصارات مكونات شمال وشرق سوريا وهزائم داعش

برزت داعش من وسط الفوضى الخلاقة التي أرادتها قوى الهيمنة العالمية كأداة للتدمير تمهيداً لإعادة البناء، والدولة التركية التي مثلت رأس الحربة في هذه الفوضى تحكمت في هذه الأداة لتمرير أطماعها الخاصة بها فقامت بتوجيهها حيثما أرادت أي الموصل أولاً لتجعل من قنصليتها في الموصل مقرأ لقيادة داعش، ثم تحولت داعش إلى وحش يبث الإرهاب في كل أنحاء العالم، فعندما تستهدف أي منطقة أو مدينة تستولي عليها خلال ساعات ولا يستطيع أحد الصمود أمامها. وهكذا استطاعت داعش إسقاط الموصل خلال ساعات وكذلك المدن الأخرى بما فيها الرقة، وقبلها كانت هاجمت سجن أبو غريب وأطلقت سراح كل معتقليها ثم سلحتهم ووصلت بهم إلى مطار بغداد وتهديده، وفعلت الشيء نفسه في سجن التاجي وأطلقت سراحهم وجندتهم في السيطرة على المدينة.

المخطط المرسوم لداعش عندما تم تأسيسها كما رأيناه فيما بعد هو أن تسيطر على كامل الشمال السوري ثم تقوم بتجييره لتركيا والفصائل المرتبطة بها بشكل من الأشكال كما حدث في جرابلس والباب وإعزاز. وفعلاً توسعت داعش إلى كل الشمال السوري من غرب رأس العين وصولاً إلى شرق عفرين، ولم تبق سوى كوباني في الوسط، إلا أنها انكسرت في كوباني واندحرت حتى فقدان آخر معاقلها في الباغوز. ولم يبق أمام داعش وداعميه إلا محاولة إحياء التنظيم من جديد فوضعوا مخططاً دقيقاً وشاملاً لإحياء التنظيم وإستخدامه مرة أخرى. وبموجب هذا التخطيط يتم إستخدام ما تم تجربته سابقاً في أبوغريب والتاجي، وتم الإعداد لكل ذلك منذ فترة ليست قصيرة، فتم وضع خلاياها في الأحياء القريبة من سجن الصناعة وتم حفر الملاجيء وجلب الأسلحة، وتم التواصل مع الداخل، ورسم خرائط سبل ومنافذ الغزو والممرات التي يجب إتباعها والطرق التي تضمن وصول الهاربين إلى مناطق الاحتلال التركي، كما الإنتشار والإستيلاء عل أحياء الحسكة. ثم فتح المجال أمام القوى المتربصة في الشمال والجنوب، وإزالة الإدارة الذاتية من الوجود تلبية لمقررات آستانا.

هذا المخطط الكبير والدقيق ليس وليد عدة جهاديين لإنقاذ إخوانهم المعتقلين، فخمسة آلاف مقاتل جهادي يمثلون جيشاً عرمرماً، وإذا انضمت إليهم الخلايا النائمة المنتشرة يمكننا تصور مدى الخطورة التي يشكلونها ليس في سوريا فقط وإنما في كل الشرق الأوسط، بل وفي كل العالم. فنحن إلى الآن لم نتمكن من إحصاء الذين تم ذبحهم بسكين داعش. ولكن مرة أخرى اصطدم هذا المخطط بإرادة وتصميم مكونات شمال وشرق سوريا على التخلص من الإرهاب الظلامي ومن ورائه أعداء الشعوب. فمثلما تمت هزيمة داعش في كوباني فشلت في مخططها على سجن الصناعة بفضل صمود أبناء وبنات مكونات شمال وشرق سوريا. نتيجة هزيمة داعش في كوباني أسفر عن إسقاط عاصمتها في الرقة ومن ثم تحرير جميع الأراضي التي سيطرت عليها، فماذا ستكون نتائج إفشال هذا المخطط الدقيق الذي شاركت فيه عدة أطراف، على داعش وصانعيه ومستخدميه؟ هذا ما سنراه في قادم الأيام.

كل ما تريده مكونات شمال وشرق سوريا هو العيش المشترك بسلام وحرية، وأسست نظامها الديموقراطي ليكون نموذجاً للحل السوري، بل نموذج الحل لكل تعقيدات الشرق الأوسط، ونظمت نفسها إلى درجة ما وأسست قوة دفاع للحماية لم تمارس سوى الدفاع المشروع عن مكونات شمال وشرق سوريا، ولم تعتدي على أي طرف آخر. فلماذا هذا العداء الشديد السافر، ومحاولات الإيقاع بين المكونات والفتنة ببث المكائد العثمانية وشن الحرب النفسية بوسائلها الحديثة ؟ هذا ما يجب أن نفكر فيه ملياً وبعمق.

الإدارة الذاتية الديموقراطية في شمال وشرق سوريا تتصارع مع قوتين الآن، أولهما النظام الفاشي التركي الذي يحاول إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل 2019 وبعد 2014، حيث الجيرة مع داعش ووحشيتها ليتذرع بها ويعيد إعادة ترتيب المنطقة بما يتوافق مع أطماعه التوسعية. والنظام السوري الذي يريد إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل 2011 متجاوزا دماء نصف مليون شهيد وستة ملايين لاجئ ومهاجر ودمار كل البلاد، وتجاهل كل أسباب هذه الكارثة، وعدم استنباط أي درس مما حدث. وقد وجدنا نموذج هذا التوجه في المناطق التي عادت إلى سيطرة النظام. وهذان الطرفان يلتقيان في نقطة أن الإدارة التي أسستها مكونات شمال وشرق سوريا تشكل عقبة في طريق تحقيق مآربهما، ولهذا كانا في حركة متوازية في مواقفهما نحو ما جرى ولا زال يجري في الحسكة. أحدهما تباكى على داعش والآخر وجد فيما حدث مسرحية تنفذها الإدارة الذاتية.

هنا نريد التأكيد على أنه مادامت مكونات شمال وشرق سوريا متماسكة وتمارس حق الدفاع المشروع عن ذاتها فهي ستكون المنتصر حتماً مهما كانت المؤامرات والمكائد، ومهما كانت قوة أعداء الشعوب.