لكل السوريين

اللاجئون…بين التجارة والسياسة

تناول الإعلام قضية اللاجئين على حدود بيلاروسيا وبولندا بشكل مكثف في الفترة الأخيرة، وتتلخص في أن آلاف من اللاجئين المستقدمين من شتى أصقاع العالم ومن الشرق الأوسط ومن أبناء الشعب الكردي بشكل خاص، مما تسبب في أزمة سياسية بين بيلاروسيا ومن خلفها روسيا وحلفاؤها وبولندا ومن خلفها الإتحاد الأوروبي.

المسألة وما فيها أن هناك ما يقارب أربعة آلاف لاجئ من شباب وشيبان ونساء وأطفال هاجموا الحدود البولندية بهدف العبور إلى أوروبا، بعضهم أستطاع العبور إلى الغابات والعديد منهم مات بسبب البرد والصقيع، والبقية علقوا بين الحدود لا تستقبلهم بولندا ولا تسمح لهم بيلاروسيا بالعودة، كما هناك ما يقارب خمسة عشر آلاف لاجئ ينتظرون في مخيمات قريبة من مينسك ليأتي دورهم في التوجه نحو الحدود البولندية.

هؤلاء اللاجئين ينحدرون في أغلبيتهم من كردستان وسوريا والعراق واليمن، تم نقلهم بطائرات تابعة لشركة بيلاروسية وأخرى روسية وأخرى تركيا في رحلات غير معرفة وبدون تذاكر سفر باسم الراكب أو مكان المغادرة أو الوصول في تعتيم مقصود على المعلومات لإخفاء حقيقة الجريمة والمجرم دون إهتمام بمصير الضحية التي هي شعوب الشرق الأوسط، والشعب الكردي على رأس القائمة.

قبل كل شيء علينا أن نعلم أن هناك عصابات تهريب البشر تمثل أحد ركائز الإستخبارات التركية منذ القديم، فأغلبية عصابات التهريب إلى أوروبا لها علاقات بالعصابات التركية سواء أكان التهريب عبر دول الشرق الأوسط أو عبر شمال أفريقيا. ومن خلال عملها تدرك الإستخبارات التركية وبالتالي الدولة التركية نقطة ضعف الإتحاد الأوروبي المتمثلة في المشاكل التي يتسبب فيها اللاجئون للمجتمعات الأوروبية. وعندما بدأت الأزمة السورية قامت الدولة التركية بتأسيس مخيمات بالقرب من حدودها من سوريا، ومن خلال العصابات المرتبطة بها شجعت السوريين على اللجوء بتقديم الوعود والحماية. فقامت عصاباتها بتهريب من كان يملك المال مقابل مبالغ طائلة إلى أوروبا، مثلما استخدمت الدولة التركية البقية وسيلة للإبتزاز وحصلت على المليارات، ذهب أغلبها إلى جيوب المسؤولين.

الجانب السياسي في المسألة هي أن الدولة التركية استخدمت هذه العملية في إجراء التغيير الديموغرافي الذي تنشده في سوريا عامة وفي شمال سوريا بشكل خاص. فهي كانت على علاقة مباشرة بكل الفصائل الجهادية الإسلاموية في كل انحاء سوريا، ومن خلالها كان أردوغان ينوي الصلاة في الجامع الأموي. وعندما لم تأتي الرياح بما تشتهيه الدولة التركية، عملت على نقل الحلفاء إلى مناطق إحتلالها في إدلب ثم إلى الشهباء وجرابلس وعفرين ومن ثم تل أبيض ورأس العين وقامت بتهجير أصحاب الأرض الحقيقيين لإجراء التغيير الديموغرافي المنشود بتوطين فصائلها المستقدمة من سوريا ومن غير سوريا من بقايا داعش والقاعدة.

بحكم التقارب الحاصل بين تركيا وروسيا وبيلاروسيا وأوكراينا، والتناقضات الحاصلة بين الإتحاد الأوروبي وهذه المجموعة، والعقوبات الأوروبية عليها والتوجه نحو فرض عقوبات أكبر، وبالإستفادة من خبرة الدولة التركية في مجال إستخدام اللاجئين وسيلة للضغط والإبتزاز، تمت هذه العملية التي تلعب فيها تركيا دور العراب، وشريكها من خلال عصاباتها المنتشرة في كل مكان وبشركة طيرانها التي تمتد إلى كل أنحاء العالم. وكان الشعب الكردي هو الضحية الأكبر سواء من جنوب كردستان أو روجافا. فليس من عصابات بيلاروسية قادرة على ترتيب كل هذه الهجرة من كردستان. فالخطوط الجوية التركية رتبت للأمر من تركيا وكردستان، والخطوط الباقية من بغداد ودمشق. وعند إنكشاف التورط التركي أوقفت الدولة التركية كل رحلات طيرانها إلى مينسك في محاولة لتبرئة ساحتها.

الرئيس البيلاروسي لوكاشينكو أعلن عن شروطه لوضع نهاية لمأساة اللاجئين، وهذه الشروط تتضمن رفع العقوبات المفروضة على بلاده لأسباب سابقة من بينها إرغام إحدى الطائرات المدنية على الهبوط لإعتقال أحد الصحفيين المعارضين لسلطته وكتم أنفاس المعارضين له وتزوير الانتخابات. كما أن بولندا أصبحت أحد أعضاء الناتو وكذلك تركيا، وبإختصار يمكننا إعتبار هذه الأزمة هي لعبة قذرة من تركيا وبيلاروسيا وبعلم من روسيا على الإتحاد الأوروبي بينما الأداة في هذه المؤامرة فهم الضحايا من الشعوب المشؤومة المبتلية بحكومات فاشلة وفي مقدمتها الشعب الكردي.

نعم شعوبنا باتت لعبة وأدوات بيد ظالمين لا يملكون من القيم الإنسانية شيئاً، لوكاشينكو أصبح يدعو أوروبا إلى التعامل الإنساني مع اللاجئين ويطالب بفتح الممرات، وأوروبا تلوم روسيا وبيلاروسيا بالإبتزاز والمتاجرة بأرواح البشر، بينما لايوجهون إصبع الإتهام إلى تركيا عراب المؤامرة وأستاذ المتاجرة بمصير البشر. إنه “خازوق عثماني” حقاً.