لكل السوريين

السلاح… والتهور

صالح مسلم

منذ أن أضطر الإنسان إلى الدفاع المشروع عن نفسه بحث عن الوسائل التي تسهل هذا الأمر، استخدم ما توفر له في الطبيعة من خشب وحجر لهذه الغاية، إلى أن توصل إلى العهد البرونزي فصنع أسلحة فتاكة من البرونز الصلب مثل السيوف ورأس الرمح وما إلى ذلك.

وهذا بقي محدوداً في أيدي المقتدرين، ومع اكتشاف معدن الحديد الرخيص كثرت الأسلحة وتمكن المجتمع البشري من تأسيس جيوش مسلحة بأسلحة حديدية، ولم تعد الأسلحة الفتاكة مقتصرة على طبقة معينة من المجتمع، ولا على الجيوش فقط، بل باتت متوفرة لكل من يستطيع حملها. بما فيها العصابات وقطاع الطرق.

مسيرة تطوير الأسلحة الفتاكة لم تتوقف من جانب احتكارات السلطة للمحافظة على سلطتها، ووصلت إلى أيدي الجبهات المضادة التي دافعت عن حقوقها، أي المجتمعات التي بحثت عن العدالة والحقوق التي اغتصبتها تلك الاحتكارات.

وكذلك بين الاحتكارات ذاتها، والحروب التي شهدها التاريخ في أغلبها كانت بين احتكارات الثروة والسلطة ذاتها حيث كانت دائماً تسعى إلى توسيع احتكاراتها واستغلال مزيد من المجتمعات، مما أرغمها على سن قوانين فيما بينها تنظم انتقال الأسلحة أو تجارتها ورسموا حدوداً لها للالتزام بها.

إلى أن تطورت أسلحة الدمار الشامل فباتت تلك القوانين تأخذ أبعاداً عالمية من خلال سن قوانين تشمل كل الدول وتلزمها بتطبيقها، وخاصة بعد حربين عالميتين خلفتا دماراً لم تندمل جراحها إلى يومنا. بينما بعض الأنظمة تدفع جزءاً كبيراً من ثروة شعبها لاحتكارات السلاح، ولا تستخدمها، بل تكدسها إلى أن تهترئ، وبعضها تكدس السلاح لاستخدامها في قمع شعوبها.

نظراً لاستخدام الأسلحة الكيميائية بكثافة في الحرب العالمية الأولى جرى حظرها بقانون دولي، ثم تم استخدام الأسلحة النووية في الحرب العالمية الثانية فتم وضع قيود على استخدام الطاقة النووية وحظر تصنيعها، وكأن الأطراف التي تحتكر السلاح تقول: قتل البشر بالأسلحة التقليدية مباح أما بالأسلحة الأخرى ممنوع.

وباتت تجارة الأسلحة وتصنيعها من أكبر الميادين التي تدر الأرباح سواء من خلال القوانين ما بين الدول أو في السوق السوداء على يد المافيا الدولية، وقد رأينا ذلك في تجربتنا السورية عندما تم تزويد عصابات الجهاديين بالدبابات والمصفحات.

رغم وضع القوانين والمعايير لتداول الأسلحة لم يتم الالتزام بها، وباتت القوى النافذة تستخدم تلك القوانين لممارسة الضغوط على الأطراف التي لا تتوافق معها، فقد استخدمتها الولايات المتحدة ذريعة لاحتلال العراق، وكذلك اتهمت النظام السوري باستخدامها ضد الشعب، وقامت بضرب بعض المواقع العسكرية، بينما تتغاضى عن تركيا التي زودت جبهة النصرة وداعش عندما استخدموها ضد الكرد في كوباني والشيخ مقصود، كما أن الدولة التركية تستخدمها في كردستان منذ 1993 وإلى الآن حيث تستخدمها في عدوانها على إقليم كردستان في شمال العراق.

وجود الأسلحة الفتاكة في أيدي الأنظمة المتهورة أو الديكتاتورية هي فعلاً تشكل خطراً على البشرية، ولهذا نجد أن كل القوى تحاول فرض قوانين صارمة على استخدام الطاقة النووية، فما نرى من قيود على إيران وعلى بعض دول العالم الثالث تأتي من هذا المنطق.

أما إنتاج واستخدام الأسلحة الكيميائية فهي موضوع للمساومة. فقد استخدمها كل من صدام وخميني في حربهما ضد يعضهما البعض على مدى ثماني سنوات، مثلما استخدموها ضد الكرد في حلبجة وغيرها، ولم يظهر أحد لمحاسبتهما، علماً بأن جميع الخامات اللازمة لإنتاجها كانت تأتي من قوى الهيمنة.

والآن ظهرت الحرب بالمسيرات وهي تقنية متطورة لا تتوفر سوى لدى قوى الهيمنة، ولكن تم تسريبها إلى بعض الأيدي المتهورة التي لا تلتزم بالقوانين والمعايير وحتى القواعد الأخلاقية في استخدامها، وتأتي تركيا في مقدمة تلك الدول، حيث استخدمتها ضد الكرد في داخل تركيا أولاً وقتلت مئات المدنيين قبل أن تستخدمها ضد الكرد في الخارج سواء في شمال سوريا حيث قتلت مئات المدنيين في عفرين.

ولا زالت تقتل كل يوم المدنيين وأعضاء قوات سوريا الديموقراطية كل يوم. أو في إقليم كردستان حيث تستهدف المدنيين والكريلا على حد سواء. ولم تكتفي بذلك بل استخدمتها في ليبيا وأذربيجان، وتحاول بيع هذه المسيرات إلى كل من يريد شراءها من الأنظمة المتهورة مثلها.

والنتيجة هي أن وجود الأسلحة الفتاكة أو المتطورة في يد من لا يكترث بقواعد الأخلاق هي كارثة للإنسانية، كمن يضع مسدساً في أيدي طفل، فإما أن يقتل من حوله أو يقتل نفسه.