لكل السوريين

الحرب والأخلاق

صالح مسلم

ألحرب والأخلاق مصطلحان متناقضان تماماً منذ أن عرفتهما البشرية، فالأخلاق تعني كيفية التعامل مع البشر والحفاظ على كرامته وخصوصياته. بينما الحرب بمعناها الواسع تعني إلحاق الضرر بذلك الإنسان وصولاً إلى درجة القتل. ولكن عبر المسيرة البشرية وحدوث خلافات ونزاعات كثيرة سواء بين الأفراد والمجموعات وصلت في بعض الأحيان إلى درجة الإبادة، ولا يمكن للمجتمع البشري قبولها، فاضطرت القوى المتحاربة أو قوى الهيمنة العالمية إلى سن بعض القواعد والقوانين للحد من هذه الوحشية، ربما للحفاظ على المجتمع البشري وبقائه أو لأسباب تتعلق بالضمير البشري.

الحرب تعني الصراع المسلح بين قوتين على المصالح أو الأطماع، وربما تكون الذرائع مغلفة بالإيديولوجية كالفتوحات أو الغزو لأجل التحرير وما إلى ذلك ولكن تبقى مصالح أو مطامع الأطراف هي الكامنة في أعماق الصراع. وهذا الأسلوب في التعامل نشأ مع بداية إستغلال البشر لبعضهم البعض مع أواخر العصر النيوليتي، ثم تطور مع تطور إحتكار السلطة والثروة. وسجل بدايات جديدة مع الحضارة السومرية بنشوء دولة المدن وتطور وسائل القتال الفتاكة.

المجتمعات المتحضرة حاولت تخفيف آثار الحروب، فربما تأثرت بدمار ما بنته خلال عقود في فترة قصيرة نتيجة للحرب وحاولت إيجاد وسائل للتفاهم وحل النزاعات بدلاً من الحروب. ولكن بقيت مجتمعات بعيدة عن الحضارة وتلك المفاهيم وأغلبها لم تساهم في بناء الحضارة، تشكل خطراً وتهديداً دائماً للمنجزات الحضارية وما بنته المجتمعات المستقرة من وسائل وأنظمة تساعد على إستقرار المجتمعات ورفاهيتها. ولعل أهم مثال يمكن الإستدلال به هو الوضع الذي كانت عليه بلاد الرافدين. حيث استطاعت مجتمعات هذه البقعة تحقيق الرفاه والإستقرار نظراً لطبيعة المنطقة وتنوع انتاجها ومناخها المناسب للإستقرار البشري. ولهذا باتت المنطقة على مدى تاريخها هدفاً للغزو والإستيلاء من طرف المجتمعات المجاورة النائية عن الحضارات البشرية. بعض تلك القوى وصلت مسالمة وانصهرت في مجتمعاتها، وبعضها جاءها غازياً وانتصر عسكرياً، ولكن مع مرور الزمن انصهرت حضارياً وأصبحت جزءاُ من مجتمعاتها. وبعضها ألحق الدمار والخراب بشكل لا يمكن تعويضه أو ترميمه.

فالمجتمعات المتحضرة وضعت بعض القواعد والوصايا للحروب مثل عدم قطع الشجر والزرع وعدم تخريب موارد المياه، وعدم قتل الشيوخ والنساء والأطفال وما إلى ذلك من مقاييس إنسانية آتية من الثقافات التي تطورت لديها. ولكن أغلب الغزاة الذين غزوا المناطق الحضارية كانوا بعيدين عن تلك المفاهيم والمقاييس لعدم توفر ثقافات مجتمعية أو دينية لديها. ولعل أشرس تلك الغزوات هي التي حدثت على يد قبائل أسلاف الترك القادمين من آسيا الوسطى كالمغول. فقائدهم كان يقول “هل هناك متعة أكثر من أن تغزو قرية وتقتل رجالها وتستعبد شبابها وتسبي نساءها وتستولي على خيراتها” فتلك كانت أهداف غزواتهم. وتلك الغزوات باتت معروفة عبر التاريخ سواء في الشرق الأوسط أو حتى في أوروبا حيثما وصلت. ثم جاء خلفاؤهم المتمثلون في العثمانيين الذين تبنوا الإسلام للتغطية على غزواتهم وطباعهم التي ورثوها من أجدادهم. وبذلك استطاع العثمانيون توسيع إمبراطوريتهم لنهب خيرات الشعوب على مدى أربعة قرون وليحكموا بالحديد والنار والمجازر دون أن يضيفوا أية قيمة حضارية إلى ما كان قائماً ، ودون الإلتزام بأية قواعد أو مقاييس عرفتها البشرية للحروب.

تأسست الدولة التركية الحديثة على جماجم الأرمن والسريان والبونتوس والروم الذين كانوا يقطنون هضية الأناضول ولم يلتزم الجيش العثماني وخلفاؤه الجيش التركي الحديث بأية مقاييس أو قواعد حرب بين المدنيين والعسكريين وإستخدام أسلحة الدمار الشامل حيثما وجد الفرصة لذلك، وما لم يفعله الجيش فعلها الحكام الأتراك بأيدي من جندوهم من حثالة الأقوام. بما في ذلك إستخدام الماء كسلاح ضد المدنيين، فقد فعل ذلك في عفرين وفعلها في كوباني ويفعلها في الحسكة، ويفعلها ضد كل شمال وشرق سوريا، بل وضد العراق أيضاً.

هذه الذهنية الدخيلة على ثقافة وشعوب منطقة الشرق الأوسط يجب أن تنتهي بشكل من الأشكال، فهي اليوم تتظاهر بالعداء للشعب الكردي ولكن في حقيقتها وممارستها التاريخية هي عدوة لكل شعوب المنطقة، ولن تستطيع العيش والبقاء بدون حروب وقتل الآخرين أو إستعبادهم. والعقدة الكبرى أن الفاشية التركية تفعل كل ذلك أمام أنظار العالم، فربما قوى الهيمنة ترى مصالحها في هذا التوجه لدى الدولة التركية.