لكل السوريين

ألم وأمل ’’كانون’’

دون شك السبب الرئيس للمعضلات والمشاكل في المنطقة هو غياب ما يترجم إرادة الشعوب المتنوعة خاصة في جوانب عيشها وتشاركها معاً بنموذج إداري يعكس حقيقة هذه الشعوب بوجودها، بهويتها وبتاريخها، بحيث يكون هذا النموذج نابع من حاجة الشعوب وساعٍ لتحقيق أهدافها؛ لا أن يكون محسوباً عليها وبالمقابل لا يوجد حق التعبير عن الرأي في أدنى المستويات ناهيكم عن الإنكار والاضطهاد والقمع.

شهدت منطقة الشرق الأوسط ظهور وتأسيس لنماذج تكمن نوعيتها في إنها كانت الإجابة والحل لكل المعضلات المذكورة بحيث يمكن وصف هذه النماذج وحالة استهدافها القاتلة بوسائل عدة بأنها الخلاص لشعوب المنطقة من حقبة الظلم والاضطهاد الممارسة من قبل الأقطاب المهيمنة من جهة ومن قبل جلادي الشعوب من جهة أخرى؛ جمهورية مهاباد (22 كانون الثاني 1946) كانت محاولة قفز غير تقليدية وتطور مهم لحل أهم قضايا المنطقة التاريخية (قضية الكرد) بظروفها ومكانها، كذلك الإدارة الذاتية الديمقراطية التي بدأت في الجزيرة (20 كانون الثاني 2014) ومن ثم توسعت لتشمل مناطق شمال شرق سوريا وعفرين شمال حلب كانت ولا تزال بداية مشروع مهم لحل ومعالجة كل المشكلات التي تراكمت لعقود وجلبت معها مآسي وظلم وإبادات للكرد والعرب والسريان والأرمن والشركس وغيرهم.

هذه التطلعات لم تكن موضع قبول لمن تم ذكرهم من القوى التي تريد وتصرّ على أن تكون الأزمة موجودة؛ فكانت نكبة جمهورية مهاباد في ديسمبر 1946 بعد 11 شهراً بهدف الوقوف ضد أي تجربة تتحرر فيها الشعوب المظلومة في الشرق الأوسط، بغض النظر عن الشروط والظروف فإن الإدارة الذاتية نموذج محرر للشعوب ذاتها وما كان استهدافها بشكل عام من خلال الهجوم الفاشي التركي على عفرين في 20 كانون الثاني من 2018 إلا لكسر ذات الإرادة التي تبحث عن الحرية والديمقراطية.

كانون الثاني؛ باختلاف الأعوام يجمع بين ولادات تاريخية وهجمات وحشية تجلت بتدمير أو احتلال لم تنل من الإرادة الباحثة والمناضلة لتحقيق أهدافها. حيث لا باستهداف عفرين ولا رأس العين ولا تل أبيض تحققت الآمال والنتائج المرجوة.

في الوقوف أمام الحالة السورية نستخلص من هذا السرد والعرض التاريخي لهذه التجارب التاريخية إن اتباع ذات السياسات لن تفيد لمن لا يريد أن تتحرر الشعوب؛ الانفتاح مهم وضروري ولابد منه ودون الإدارة الذاتية اليوم في وسط التعقيد الموجود في سوريا لا يمكن أن يكون هناك حل.

سوريا باعتبارها البقعة الساخنة اليوم في وضع متأزم أكثر من ذي قبل وهذا التأزم يزداد وسط الإصرار على تجاهله؛ آخر التطورات الصعبة والخانقة اليوم هو التدهور الاقتصادي وتزايد الصعوبات المعيشية، وهذا سيجلب معه تطورات سلبية ويؤثر على المجتمع السوري قطعاً بالدرجة الأولى حيث يخلق ذلك معاناة وصعوبات في المعيشة ويساهم في تطور الفوضى بشكل أكبر؛ كما إن هذا التدهور يخنق ما تبقى من نفس بعد أن رأى الشعب السوري الويلات سياسياً.

هذه مسؤولية كل من لا يريد الحل، لذا مع طرحنا وإصرارنا على الحل الديمقراطي من خلال مشروع الإدارة الذاتية نؤكد بأن احتواء كل هذه السلبيات ممكن ما يدفعنا في شمال وشرق سوريا للعمل بإصرار على إنقاذ سوريا وشعبها كما ساهم شعبنا في مراحل نضاله المختلفة منذ بداية الصراع كون مشروعنا نابع من الحاجة السورية وهو مشروع لكل السوريين وما تم حتى الآن من قبل شعبنا ليس إلا جزءاً من المسؤولية الوطنية التي هي واجب لطالما نتحرك ضمن خدمة سوريا كبلد لنا جميعاً، ومن أجل مستقبلها العادل والديمقراطي، بحيث النضال المهم يجب أن يكون نحو تعميم تجربة الإدارة الذاتية لضبط النواقص والتجاوزات التي تمارسها الأقطاب الواحدة في أي مكان في سوريا بغض النظر عمن هو. فإن كان “كانون” يمثل في نصفه الأخير جرحاً لا يندمل؛ فهو حتماً يمثل في ذات التوقيت ولادة جديدة لمشروع يمثل الأمل والخلاص لسوريا وللمنطقة ما يجعل كل المحاولات والجهود التي تمت لهذا الهدف قديماً وحديثاً أرضية قوية للانتصار والسلام القادمين.

آلدار خليل