لكل السوريين

احتلال عفرين والقانون الدولي والإنساني

سلاف العلي 

إن الغزو هو مجرد دخول القوات المحاربة التابعة لدولة ما إقليم دولة أخرى دون السيطرة الفعلية عليه، مع استمرار المقاومة والقتال في الإقليم نفسه وينتهي بخروج قوات تلك الدولة، وهكذا نجد الغزو مقدمة للاحتلال الحربي أو جزء منه، إذ تتضمن كل عملية احتلال عملية غزو في الوقت نفسه، أما الاحتلال الحربي: فهو مرحلة من مراحل الحرب تلي مرحلة الغزو مباشرة وتتمكن فيها قوات الدولة المحاربة من السيطرة الفعلية على الأجهزة الحكومية والإدارية للإقليم المحتل، ويتوقف القتال المسلح, مع ذلك يمكن أن ينقلب الغزو إلى احتلال كما حدث في عفرين التي احتلتها قوات الاحتلال التركية مع القوات المسلحة المرتزقة المتعاونة معها من المعارضين السوريين عام2018، وذلك عندما لا تقتصر قوات العــدو على عبور الإقليم وإنما تســتقر فيه وتباشر سلطاتها في إطاره.

وإن تعريف العدوان التي اقرته الامم المتحدة بالتوافق في قرارها (3314) د (29) في 14 كانون الأول 1974 حيث صدر تعريف للعدوان حيث جاء في المادة الأولى:

استخدام القوة المسلحة من قبل دولة ضد سيادة دولة اخرى او وحدتها الاقليمية او استقلالها السياسي او بأي اسلوب اخر يتناقض مع ميثاق الامم المتحدة ويعتبر استخدام القوة المسلحة من جانب دوله التي تبدأ ذلك دليلاً على ارتكاب عمل عدواني ومع ذلك تعتبر الاعمال التالية عدواناً.

وبموجب هذا التعريف، يعتبر استخدام القوة من جانب إحدى الدول دليلا أوليا وإن لم يكن قاطعا على العدوان أي أن بإمكان مجلس الأمن أن يتوصل إلى قرار مخالف أو معاكس على ضوء الظروف الخاصة بالقضية.

بالرغم من إن القانون الدولي الانساني يعتبر أن الدولة الموقعة أو غير الموقعة على الاتفاقيات الدولية ذات الطابع الانساني ملزمة باحترام قواعد القانون الدولي العرفي التي تتضمنها.

كانت منطقة عفرين من المناطق الأكثر أمناً واستقرارا في شمال محافظتي حلب وادلب، وشهدت القرى العربية والكردية في ريف منطقتي الباب وإعزاز وتل حاصل وتل عران وكفر صغير وغيرها من البلدات والقرى الكردية والعربية التابعة للريف الشمالي لمحافظة حلب، حركة نزوح كثيفة نحو منطقة عفرين، مع اشتداد وتيرة المعارك بين ما يسمى بـ ” فصائل المعارضة المسلحة ” وتنظيم ما يسمى بـ “الدولة الإسلامية – داعش “، حيث وصل عدد النازحين إلى أكثر من نصف مليون شخص، بحسب احصائيات غير رسمية. وبقيت الأمور هكذا حتى قيام جيش الاحتلال التركي مع المعارضين المتعاونين معه، بعمل عسكري واسع استعملت فيه الطائرات والمدافع والدبابات، منذ20كانون ال ثاني2018، وتم خلال ذلك احتلال عفرين بعد انتشار التدمير والخراب والتهجير وسقوط المزيد من الضحايا القتلى والجرحى.

إن حجم القصف الجوي والصاروخي والمدفعي من قبل العدوان التركي والمتعاونين معه المشاركين في عملية ما يسمى بـ “غصن الزيتون “، أتاح لهم التمدّد واحتلال مدينة عفرين وقراها، بالتدمير والقتل والترهيب، والواقع أنّه سرعان ما فرض الاحتلال على الأراضي التي اخضعها إلى سيطرته، سلطة المحتل التي لا تعترف بأي هوية أخرى، ونشير إلى بعض ممارسات مسلحي جيش الاحتلال التركي والمتعاونين معه “اضطهاد عرقي، ارتكاب جرائم الابادة الجماعية، انتهاكات حقوق المرأة، القتل والتمثيل بجثث الأسرى، محاكمات خارج القانون، الغنائم والمصادرات، حرق الكتب والوثائق والاثار التاريخية، تدمير وتفجير أماكن العبادة، الاختطاف والاخفاء القسري والتعذيب والاغتيالات، اختطاف الأطفال واحتجازهم كرهائن، الاختطاف والابتزاز كمصدر تمويل مهم للإرهاب، القصف العشوائي والتفجيرات”.

إن تلك النماذج من الأفعال هي جرائم حرب وجرائم دولية ضد الإنسانية، فهي من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان المرتكبة من قبل جيش الاحتلال والمجموعات المتعاونة معه ضد المدنيين، وكل من أصدر الأوامر أو ارتكب أو ساهم أو تعاون أو دعم هذه الأعمال الإرهابية يخضعون لسلطة القانون الدولي وللمحاسبة الجنائية عن أفعالهم وفي أي مكان بالعالم.

ان جيش الاحتلال التركي والجماعات المسلحة المعارضة التابعة لارتكبوا جرائم حرب بحق المدنيين في عفرين بشكل يومي في حربه العمياء ضد المدنيين، مما شكل خرقاً صريحاً للأعراف الدولية وقوانين الحرب، وإن هذه الأفعال الإجرامية هو انتهاك جسيم لاتفاقية جنيف /12/8/1949/ بحيث ترتقي هذه الجرائم الى مصاف الجرائم الجنائية الدولية، لأنها تمثل جرائم حرب حسب نظام روما الأساسي المخصص لجرائم حرب ومن هذه الجرائم التي ارتكبت في مدينة (عفرين) على سبيل المثال لا الحصر:

أولاً- قصف القرى والمناطق التابعة لعفرين وتدمير المساكن، التي ليست لها أية علاقة بالأهداف العسكرية. ثانياً- تعمد توجيه هجمات وضربات بالمدافع والطائرات ضد السكان المدنيين. ثالثاً- الاعتداءات على الممتلكات الاثرية والاعيان المدنية، وقصفها جويا وبريا وتدميرها. رابعاً- تعمد الاحتلال التركي الاعتداء على الصحفيين، وعلى جميع الآليات والمتطوعين والموظفين من مهمات المساعدة الإنسانية. خامساً– تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية والتعليمية والمستشفيات وأماكن تجمع المرضى والمصابين.

سادساً– تعمد حصار المدنيين كأسلوب من أساليب الضغط على قوات سوريا الديمقراطية وذلك بقطع طرق الإمداد لمنطقة عفرين من أجل تزويدها بالأدوية والأغدية وتعمد قطع الاتصالات وشبكات المياه والكهرباء.

إن نتيجة الحالة الكارثية التي عاشها أهالي قرى ومدينة عفرين، بمختلف مكوناتهم، من ممارسات واعتداءات قوى الاحتلال التركية والمتعاونين معهم من المعارضة السورية، فإننا نطالب بإصدار قرار دولي ملزم، يتضمن: اعتبار احتلال عفرين عملاً غير مشروع ويتناقض مع مبادئ ومقاصد الأمم المتحدة والقانون الدولي ومطالبة القوات المحتلة بالانسحاب الفوري وغير المشروط من عفرين وجميع الأراضي السورية التي احتلتها بعد عدوان استمرّ منذ ما يقارب الثلاثة أشهر وحتى الان.

ولأننا نعتبر احتلال عفرين عملاً غير مشروع ويتناقض مع مبادئ ومقاصد الأمم المتحدة والقانون الدولي، وندين جميع ممارسات قوى الاحتلال التركية، فإننا ندعو إلى: مطالبة القوات المحتلة بالانسحاب الفوري وغير المشروط من عفرين وجميع الأراضي السورية التي احتلتها.

العمل السريع من أجل الكشف عن مصير المخطوفين وإطلاق سراحهم جميعا، من النساء والاطفال والذكور، لدى قوات الاحتلال التركية ولدى الفصائل المسلحة المتعاونة مع الاتراك، ودون قيد أو شرط. وإلزام قوى الاحتلال بتوفير تعويض مناسب وسريع جبرا للضرر اللاحق بضحايا الاختطاف والاخفاء القسري.

دعوة المنظمات الحقوقية والمدنية السورية، للتعاون من اجل تدقيق وتوثيق مختلف الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها القوات المحتلة التركية في عفرين وقراها منذ بدء العدوان التركي في أواخر كانون الثاني 2018 وحتى الان، من اجل بناء ملفا قانونيا يسمح بمتابعة وملاحقة جميع مرتكبي الانتهاكات، سواء أكانوا اتراك أم سوريين متعاونين معهم، كون بعض هذه الانتهاكات ترقى لمستوى الجرائم ضد الإنسانية وتستدعي إحالة ملف المرتكبين للمحاكم الجنائية الدولية والعدل الدولية.

عودة المدنيين النازحين والفارين من أهالي عفرين وقراهم، وإزالة كافة العراقيل أمام عودتهم إلى قراهم ومنازلهم وضرورة تأمين تلك الطرق، وضمان عدم الاعتداء عليهم وعلى أملاكهم، وإزالة الألغام. وبالتالي تمكين أهالي عفرين اقتصاديا واجتماعيا بما يسمح لهم بإدارة امورهم.

دعوة الهيئات والمؤسسات الدولية المعنية بتلبية الاحتياجات الحياتية والاقتصادية والإنسانية لمدينة عفرين وقراها المنكوبة ولأهالي عفرين المهجرين، وإغاثتهم بكافة المستلزمات الضرورية.

العمل الشعبي والحقوقي من كافة المكونات الاصلية من أهالي عفرين من اجل مواجهة وإيقاف المخاطر المتزايدة جراء ممارسات قوات الاحتلال العنصرية التي اعتمدت التهجير القسري والعنيف والتطهير العرقي، والوقوف بشكل حازم في وجه جميع الممارسات التي تعتمد على تغيير البنى الديمغرافية تحقيقا لأهداف ومصالح عرقية وعنصرية وتفتيتيه تضرب كل أسس السلم الأهلي والتعايش المشترك.