أثار اقتراح الرئيس الأميركي بالاستيلاء على قطاع غزة وتهجير سكانه، وتحويله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، موجة استهجان حول العالم.
وغصّت وسائل الإعلام الدولية ومنصات التواصل الاجتماعي، بنقل آراء الأكثرية الرافضة للاقتراح والأقلية المؤيدة له.
وكان الرئيس ترامب قد كشف عن مقترحه بالاستيلاء على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين منه، وقال “سنكون مستثمرين في هذا الجزء من العالم، وستكون غزة ريفييرا الشرق الأوسط”.
وأشار إلى أن “إسرائيل ستسلم غزة كي تصبح خاضعة للولايات المتحدة ضمن ملكية طويلة الأمد”.
ومع أن ترامب قال “لسنا في عجلة من أمرنا بشأن ذلك”، إلّا أن وزارة الخارجية الأميركية
ذكرت إن الوزير ماركو روبيو سيقوم في منتصف الشهر الجاري، بجولة في المنطقة يزور خلالها إسرائيل والإمارات وقطر والسعودية، وتوقع المراقبون أن يتصدر مقترح ترامب أجندة الوزير خلال هذه الجولة.
وتسبب قرار ترامب بصدمة لكبار أعضاء البيت الأبيض والحكومة، حيث لم يسبقه أي اجتماع داخل الحكومة بمشاركة وزارة الخارجية أو البنتاغون، كما يجري عادة مع أي مقترح جدي في السياسة الخارجية، وخاصة مقترح بهذا الحجم، حسب صحيفة نيويورك تايمز التي أكدت أن “إدارة ترامب لم تقم حتى بأي تخطيط أو دراسة أولية لجدوى الفكرة، ولم يتوقع الأميركيون ولا الإسرائيليون أن يقدم ترامب مثل هذا الاقتراح”.
معارضة ديمقراطية وجمهورية
رفع نواب أمريكيون بطاقة حمراء في وجه مقترح ترامب، وتقدم النائب الديمقراطي آل غرين بمشروع مساءلة لعزل ترامب متهماً إياه بـ “التطهير العرقي في غزة”.
وقال “أقف هنا اليوم لأعلن أنني سأقدم لائحة اتهام ضد الرئيس بسبب الأفعال البشعة التي اقترحها والتي ارتكبها”، وأشار إلى أنه وضع الأساس لمحاكمة الرئيس الأمريكي وعزله.
ومن جانبه، قال السيناتور بيرني ساندرز، عضو مجلس الشيوخ “مرشح السلام ترامب يريد إجبار مليوني فلسطيني على ترك منازلهم وتقديم أسلحة بمليار دولار آخر إلى نتنياهو، وأعد خطة لتحويل قطاع غزة الذي دمِّر إلى ريفييرا للمليارديرات”.
وبدوره، قال السيناتور كريس فان هولن “إن إعلان ترامب يعني ارتكاب التطهير العرقي بحق الفلسطينيين”.
بينما أكد عضو مجلس النواب جيك أوشينكلوس أن “هذا الاقتراح متهور وغير معقول”.
ووصف السيناتور كريس كونز، مقترح ترامب بأنه “جنون”، وقال عضو مجلس النواب جيك أوشينكلوس “عندما يقترح ترامب بنداً سياسيا، فهناك صلة بالمحسوبية وخدمة الذات”.
ومن جهتها، قالت عضو مجلس النواب رشيدة طليب “الفلسطينيون لن يذهبوا إلى أي مكان، لا يستطيع هذا الرئيس إلّا أن يبث هذا الهراء المتعصب بسبب الدعم الحزبي في الكونغرس لتمويل الإبادة الجماعية والتطهير العرقي”.
ولم تقتصر معارضة المقترح على النواب الديمقراطيين، إذ عبر عدد من أعضاء الكونغرس الجمهوريين عن رفضهم خطة السيطرة على القطاع.
وقال السيناتور راند بول “لا ينبغي لنا أن نفكر في احتلال آخر من شأنه أن يدمر ثرواتنا ويسفك دماء جنودنا”، ووصف السيناتور ليندسي غراهام، الاقتراح بأنه إشكالي.
ومن جانبه، عبر السيناتور جوش هاولي، المعروف بانحيازه الشديد لإسرائيل عن معارضته للفكرة، وقال “لا أعتقد أن إنفاق الكثير من أموال الولايات المتحدة في غزة هو الاستخدام الأمثل لمواردنا، أفضل أن يتم إنفاقها داخل البلاد أولا”.
منظمات دولية تدين وتحذّر
حذّر الأمين العام للأمم المتحدة من أيّ محاولة لإجراء تطهير عرقي في غزة، وشدد على ضرورة الالتزام بالقانون الدولي عند البحث عن حلول للقضية الفلسطينية.
وقال غوتيريش “إن أي سلام دائم سيتطلب إحراز تقدم ملموس لا رجعة عنه ويتسم بالدوام نحو حل الدولتين وإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، تمثل غزة جزءا لا يتجزأ منها”.
وقال المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة “أي نقل قسري أو ترحيل للسكان من الأراضي المحتلة محظور تماماً”.
واعتبرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة خطة ترامب “غير قانونية وغير منطقية بتاتاً”.
وأكد الاتحاد الأوروبي أن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية المستقبلية.
وقال المتحدث باسمه “لاتحاد الأوروبي لا يزال ملتزما بقوة بحل الدولتين، ويعتقد أنه المسار الوحيد للسلام الطويل الأمد لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين”.
ونددت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بمقترح ترامب، وقالت في بيان، “إنه ترويج لسيناريو تهجير الفلسطينيين المرفوض عربياً ودولياً، والمخالف للقانون الدولي”.
وشددت على أن “الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين، يشكلان معاً إقليم الدولة الفلسطينية المستقبلية”.
وبدورها اعتبرت هيومن رايتس ووتش أن تهجير الفلسطينيين عمل لا أخلاقي شنيع، وقال المتحدث باسم المنظمة الدولية في حديث لوكالة رويترز “يحظر القانون الإنساني الدولي التهجير القسري لسكان الأراضي المحتلة، وعندما يكون هذا التهجير القسري واسع النطاق، فقد يرقى إلى جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية”.
كما اعتبرت حركة السلام الآن الإسرائيلية أن مقترح ترامب يعني الدعوة إلى تنفيذ تطهير عرقي بواسطة الاقتلاع والتهجير لنحو مليوني إنسان.
وقالت “إنها خريطة طريق ترامب ونتنياهو لنكبة ثانية ضد الفلسطينيين سكان قطاع غزة”.
ووصفت المقترح بأنه “فكرة هوجاء وخسيسة وبغض النظر عن إمكانيات تطبيقها، فإن مجرد عرضها يشكل وصمة عار أخلاقية لا يمكن محوها على جباه جميع الضالعين فيها”.
استنكار عالمي واسع
أعربت دول ومنظمات وشخصيات عديدة عن معارضتها واستنكارها لمقترح ترامب القاضي بسيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة وتحويله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” بعد إفراغه من سكانه الفلسطينيين.
ورفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس دعوات الاستيلاء على القطاع وتهجير سكانه.
وقال “الشعب الفلسطيني لن يتنازل عن أرضه وحقوقه ومقدساته، وقطاع غزة هو جزء أصيل من أرض دولة فلسطين إلى جانب الضفة الغربية، والقدس الشرقية المحتلة.. الحقوق الفلسطينية المشروعة غير قابلة للتفاوض”.
وأدانت حركة حماس بأشد العبارات تصريحات ترامب الرامية سيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة وتهجير الشعب الفلسطيني منه.
وعربياً، رفضت الأردن ومصر والسعودية وقطر تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، ودعت إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
وعالمياً رفضت القرار واستنكرته كل من فرنسا بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والصين وروسيا والبرازيل وإندونيسيا وايرلندا وأستراليا وأفغانستان.