لكل السوريين

رشى وفساد في جامعة دمشق.. وشبكات تتحكم في بمستقبل الطلاب

دمشق/ مرجانة إسماعيل

في نهاية العام الدراسي 2023 – 2024 تم توقيف عدة موظفين في كلية الآداب بجامعة دمشق، وذلك بعد تورطهم في عمليات غش وتزوير علامات امتحانية لعدة طلاب. العملية كانت منظمة بدقة حيث تبين وجود شبكة من موظفين ضمن دائرة الامتحانات وشؤون الطلبة يقومون بتغيير علامات الطلاب ووضع علامات جديدة وذلك كله وفق أسعار محددة يتقاسمها الموظفون فيما بينهم.

يقول أحد الطلاب في قسم الجغرافيا، إن القصة لم تكشف بسهولة، فكانت العلامات تتبدل على ورقة الامتحان نفسها ودفتر الامتحان وعلى السجل الرئيسي، بحيث تحبك القصة من دون أي لبس أو شكوك. “حتى وإن تقدم أحد الطلبة باعتراض على نتيجة مادة معينة فلا يتم التصحيح يتم فقط جمع العلامات في حال تم نسيان تصحيح سؤال ما أو جمع علاماته، وحتى هذه النقطة استطاعوا الغش فيها”.

ولكن وحسب الطالب فالقصة تم اكتشافها بسبب خلاف بين موظفين على النسبة المتقاسمة على كل مادة امتحانية، ليقوم أحد الموظفين بفضح القصة وفضح كل المتورطين فيها.

ويحاول القائمون على النظام التعليمي في سوريا ضبط العمليات الامتحانية وهذا ما ظهر جلياً هذا العام خلال امتحانات الثانوية العامة وانتشار أخبار عن فصل موظفين ومسؤولين في مديريات التربية والجامعة. إلا أن الفساد التعليمي مازال جاريا.

من جهته يقول موظف، إن إيقاف عمليات الغش ضمن أروقة الجامعات الحكومية صعبة؛ وبالأحرى استحالتها في سوريا تحديداً حسب قوله: “كيف تستطيع منع موظف يتقاضى مايعادل 25 دولارا شهرياً عن تقاضي رشوة من طالب لقاء تعديل بسيط في علاماته”.

ويضيف: “هناك كثير من الطلبة يتوقف تخرجهم على علامة أو علامتين أو على مادة واحدة، فلا ضير من قليل من المساعدة، الجميع سعيدون ولا أحد مظلوم”. على حد تعبيره.

من جهتها ترى طالبة في كلية الآداب قسم الحغرافيا أن هذا ظلم للطلبة، “فكيف تكد وتتعب حتى تتجاوز الامتحانات وغيرك يستطيع بنقوده أن ينجح بكل سهولة وببساطة شديدة، هذا عدا عن حصولهم على معدلات جيدة تخولهم إكمال دراسات عليا”، وبرأيها من الأفضل وضع حدٍ لهذه الأمور.

عملية شراء المواد لا تتم بالسهولة التي قد تخطر على بالنا، فالعملية تحتاج سرية تامة ومخاطرة بالنقود، عدا عن عدة طرق لشراء المادة والنجاح فيها.

فمثلا في كلية الآداب نفسها هنالك مدرسون للمادة يبيعون المادة بشكل واضح وصريح، ماعلى الطالب سوى زيارة المدرس بعد التواصل مع وسيط معين وبعدها يتم دفع المبلغ المتفق عليه سلفاً وهذه تعتبر أسلم طريقة للطالب ولكنها أخطر على المدرس.

تشير إحدى الطالبات إلى أنه “يعرض مدرسون تقديم دورات تدريبية للمادة وبسعر منطقي وخلال الدورات قد تعرض مبالغ إضافية لقاء إعطاء نماذج امتحانية متضمنة أسئلة الامتحان، وبعض المدرسين واضحين يطلبون بصراحة مثلا حسب قدرة الطالب؛ بجامة، حذاء وغيرها من القصص البسيطة”، وبحسب قولها “هؤلاء أسهل فئة ممن يبيعون المواد”.

تتحدث الطالبة عن نوع من الصفقات المعقدة التي يصعب على الطالب ضمان نجاحها حتى بعد دفع المال. في هذه الحالات، يتم التواصل مع المدرس عبر وسيط، ويحدد المدرس مبلغاً كبيراً قد يصل إلى ملايين الليرات للمادة الواحدة، خاصة إذا كانت هذه المادة حاسمة لمستقبل الطالب. يقوم الطالب بدفع المبلغ للوسيط، وبعدها يتدخل المدرس إما بكتابة الأجوبة نيابة عن الطالب في أثناء الامتحان أو بإعطائه علامة تخوله النجاح. ومع ذلك، تؤكد أن هذه الطريقة محفوفة بالمخاطر، حيث لا توجد أي ضمانات حتى لحظة صدور النتائج. وإذا فشل الطالب في النجاح، فلن يستطيع تقديم شكوى لأنه لا يملك دليلاً يثبت دفع الرشوة.

أما الطريقة الأخيرة، فهي التواصل مع وسيط أيضاً يدفع له الطالب قسم من المبلغ المتفق عليه وبعدها يسلمه الوسيط أسئلة ليحفظ إجاباتها وبعد تقديم المادة يدفع بقية المبلغ، وبعض الوسطاء يطالبون بكامل المبلغ عند تسليم الأسئلة أو أحياناً الأجوبة نفسها وهنا تحمل الطريقة خطورة أيضاً من عدم كون الأسئلة صحيحة أو تم الغش في هذه النقطة.

ابتزاز آخر يواجه طلبة جامعة دمشق في (قسم شؤون الطلاب) الذين يعرقلون طلباتهم للحصول على كشف العلامات (بيان علامات) خصوصاً من يرغب من هؤلاء الطلاب في التحضير لمرحلة الدراسات العليا سواء داخل سوريا أو خارجها.

ويتحجج موظفو شؤون الطلاب بضغط العمل، وبأن بيان العلامات يحتاج أشهر عدة لإنجازه لإجبار الطلاب على دفع الرشى لهم خصوصاً أنه ليس هناك مدة محددة أو قانون يجبر الموظف على تسليم كشف العلامات للطلاب خلال وقت محدد.

وقال عدد من الطلاب إنّ أغلبهم يضطر لدفع الرشى للحصول على كشف العلامات، فضلاً عن تكاليف (رسوم الطلب) التي تدفع لإدارة الجامعة والتي تبلغ 30 ألف ليرة سورية للنسخة الأصلية، و20 ألف ليرة لكل نسخة أصلية مصدقة عن الكشف، إضافةً إلى رسم الشهادة والبالغ 50 ألف ليرة يتم دفعه عند التسجيل في السنة الأخيرة.

ويتطلب الحصول على بيان العلامات تقديم الخريج الجامعي طلب في شؤون الطلاب التابعة لكليته بعد دفعه الرسوم المترتبة عليه في قسم المحاسبة والانتظار لحين استخراجه وتسليمه للطالب أصولاً، على أن تمر العملية بتنظيم الكشوف لكل طالب وتدقيق جميع العلامات من السجلات وتوثيقها ثم تصديقها من الكلية التابع لها.

في الوقت الذي يدفع خريجي جامعة دمشق رشى بالليرة السورية للحصول على كشف العلامات، يضطر من هم خارج سوريا ويحتاجون إلى كشف العلامات لإكمال دراساتهم العليا إلى دفع الرشى بالدولار الأميركي، خصوصاً أنّ كشف العلامات وثيقة مهمة لإكمال الدراسة في الجامعات خارج سوريا.

وحافظت سوريا على ترتيبها في مؤخرة مؤشر الفساد العالمي لعام 2023، بتسجيلها 13 درجة من أصل 100، لتحتل مع الصومال المركزين الأخيرين، وفق تقرير “منظمة الشفافية الدولية”.