لكل السوريين

استعصاء مزمن في الأزمة السورية.. ولا حل سوى الحل السوري

تقرير/ لطفي توفيق 

أنهت الأزمة السورية عامها الحادي عشر دون وجود مؤشرات حقيقية على اقتراب نهايتها، والتوصل إلى حل سياسي ينتظره السوريون لوقف انهيار البلاد، والتخلص من الاحتلالات الأجنبية بكافة أنواعها ومسمياتها.

ومع أن هذا العام يحمل بعض متغيرات عربية وإقليمية ودولية، قد تشكل عوامل تغيير على صعيد المنطقة، وقد تنعكس هذه العوامل على الوضع في سوريا، مثل انشغال الدول الفاعلة على الساحة السورية بالحرب في أوكرانيا، والتقارب السعودي الإيراني، وانفتاح بعض الدول العربية على سوريا، وتصريحات المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا بعد محادثاته مع دول عربية وغربية، حول طرح مقاربة جديدة تمنح العملية السياسية في سوريا دفعة قوية.

ووجود بعض أشكال التنسيق بين فصائل سورية معارضة بهدف السعي لتوحيد جهودها، وصياغة خطاب سياسي متقارب لعملها.

إلّا أن كل ذلك ما يزال مجرد إرهاصات ومحاولات لا يعوّل عليها كثيراً في مسيرة الحل السياسي للأزمة السورية.

على الصعيد العربي

بدأت تظهر بعض التحركات العربية نحو سوريا في مؤشر على وجود محاولات لفتح الأفق باتجاه بلورة حل سياسي يفضي إلى إنهاء الأزمة فيها.

وتسارعت خطوات الانفتاح بين الأردن وسوريا على أكثر من صعيد، في مقدمة على ما يبدو، لتنفيذ رؤية سياسية واقتصادية تسعى إليها عمّان، بالتعاون مع عدد من الدول الإقليمية لحل الأزمة السورية من وجهة النظر الأردنية التي تتبنى سياسة الـ “خطوة خطوة”، بحيث تتخذ هذه الدول مجموعة من إجراءات الانفتاح على سوريا، على أن تقوم السلطات السورية بخطوات مقابلة، إلى أن تتم حلحلة الأمور، وربما إنهاء الأزمة.

كما أشارت زيارة وزير خارجية الإمارات إلى دمشق شهر تشرين ثاني من العام الماضي، إلى أن بعض الدول العربية في طريقها إلى التطبيع مع سوريا.

ويرى مراقبون أن هذه الزيارة، والخطوات الأردنية لم تكن لتتم لولا  وجود تفاهمات عربية ودولية تؤكد أن النظام السوري أصبح أمراً واقعاً يجب التعامل معه وإعادة تأهيله.

وعلى الصعيد الدولي

لاشك في أن الصراع القائم بين القوى العالمية حالياً سيجعلها أقل اهتماهاً بالشأن السوري، أو أقل قدرة على التحكم فيه، وقد يمنح السوريين هامشاً أوسع للعمل على إحداث تغيير في بنية النظم السياسية والاقتصادية والثقافية.

ولكن استثمار هذا الهامش يتوقف على تمكّن السوريين من صياغة برنامج تغيير شامل، ووضع إطار تنظيمي يقود عملية التغيير ويوجهها.

ومع أنه من المبكر التكهن بنتائج الحرب في أوكرانيا، إلّا أن هذه النتائج مهما كانت، ستنعكس على الملف السوري.

فإذا حسمت روسيا الحرب لصالحها قد يتصاعد دورها على الساحة السورية ويحجّم دور القوى الأخرى فيها.

والرهانات على أن المعسكر الغربي أدخل روسيا في معركة استنزاف طويلة، وتمكّن من محاصرتها، بما سيدفعها إلى التراجع عن الاهتمام بالملف السوري وعن التزاماتها ومصالحها في سوريا، مجرد آراء لا يؤيدها الواقع.

فقد يختلف المشهد  في أي وقت، وقد ينشب صراع روسي مع الغرب في أي مكان آخر، وقد تصبح سوريا والدول المجاورة، ساحة من ساحات هذا الصراع.

خطوة بالاتجاه الصحيح

وقّعت ثلاث جهات معارضة داخل سوريا على مبادرة دعت فيها الأطراف السياسية السورية لإجراء مراجعة نقدية وتقييم أدائها السابق خلال السنوات العشر الماضية، وتحمّل مسؤولية توحيد الجهود الوطنية الديمقراطية لتحقيق الانتقال السياسي.

وجاء في بيان صادر عن “المؤتمر الوطني السوري لاستعادة السيادة والقرار، وحركة التغيير الديمقراطي، والمبادرة الوطنية في جبل العرب” أن الاستعصاء السياسي في الملف السوري والوضع الإنساني المتفاقم، يضع جميع الأطراف أمام مسؤوليات وطنية كبيرة.

وأشار البيان إلى ضرورة التوافق على المبادئ الوطنية والديمقراطية عبر خلق أجواء مناسبة للحوار، وإجراء تفاهمات لا تتطرق إلى المسائل التنظيمية والحالة السياسية لمختلف الأطراف.

وحسب البيان، اتفقت الأطراف الثلاثة على ضرورة توحيد القوى السياسية الوطنية الديمقراطية كمقدمة ضرورية للمشاركة الفاعلة في الحل السياسي للأزمة السورية، والتفاهم على خارطة طريق تتبناها هذه القوى وصولاً لحل سياسي يلبي تطلعات السوريين إلى الديمقراطية والحرية.

لا حل  سوى الحل السوري

مهما بلغت استعصاءات وتعقيدات الوضع في سوريا، وشراسة المحتلين لأرضها، ومحاولات تمزيقها وإدخالها في صراعات إقليمية وطائفية ومذهبية وعرقية، يبقى الحل السياسي لأزمتها رهن تحرّك القوى السياسية فيها، وقدرة هذه القوى على تجاوز خلافاتها وتوحيد قواها الوطنية، والتوافق على قواسم مشتركة فيما بينها، وبلورة خطاب وطني واضح وقابل للتنفيذ، وقادر على استثمار المتغيرات الإقليمية والدولية، للسعي باتجاه حل سياسي يفضي إلى انتقال جذري وشامل، ينهي المأساة السورية، ويؤسس لدولة وطنية ديموقراطية وتعددية تحتضن كل أبنائها دون تهميش أو تمييز، وتضع حداً للاستبداد والفساد، وتحفظ حرية السوريين وكرامتهم، وتوقف نزيف الدم السوري وتشريد السوريين داخل بلادهم وخارجها.