لكل السوريين

شيءٌ عن الديمقراطية

الديمقراطية ممارسة وأهداف معلومة، وأخلاق تنضبط مع إيقاع المجتمع، وهي ليست اسمًا تجميليا، لأن موجة الديمقراطية ولدت أحزابا وحركات، وفرخت أسماء لا علاقة لها بالممارسة والعمل الديمقراطي، أضافت الاسم كلازمة لها للتباهي والتجميل. والمجتمع لم يكن بحاجة للديمقراطية من أجل الديمقراطية كثوب عرس، وبعد الزفاف نرميه، أو نعلقه على مشجب لنتذكر ليلة الدخلة كلما رأيناه، أو سلما نلقيه بعد الصعود ولا نسمح بتركيبه مرة أخرى. الديمقراطية حياة، والحياة ليست مجرد زينة.

أثبتت الوقائع أن كثيرًا من رافعي شعار الديمقراطية لا علاقة لهم بها مضمونا، وهي عندهم مجرد صندوق للانتخاب، ثم تأخذ الأحزاب والحكومات المنتخبة ما يروق لمزاجها، وما يخدم مصالحها هي، وليس من أجل خدمة التنمية، أو الارتقاء بالوعي المجتمعي، أو من أجل انجاز حضاري ومساهمة تترك أثرا في الحاضر، وذكرى محترمة للأجيال.

لقد أطلق شعار في ستينات القرن الماضي “إن حرية الكلمة هي المقدمة الأولى للديمقراطية” ولكن السجون ملئت بسبب كلمة. بينما حرية الكلمة ليست من أجل الثرثرة، ولا لملء الصحف بالسباب والشتائم والفضائح، ولكنها الكلمة المسؤولة المعبرة عن الحاجة والمعاناة، والمشيرة للنقص حيث حل، والمؤشرة على الأمراض والعلل، والموجهة للطريق الصواب.

البعض يطلب من الديمقراطية أن تعالج الأزمات الاقتصادية، أو فساد الإدارات، أو النفاق الاجتماعي والسياسي، وليس هذا بيد الديمقراطية بل القانون والتعليم هو من يفعل، وبناء الضمائر الحية بالمراقبة المستمرة والمحاسبة بلا تجنٍ أو افتراء. ويمكن تحديد سمات الديمقراطية العامة باستقراء تجارب الديمقراطية في العالم وتطورها التاريخي، وما أصبح يعدّ مبادئ مشتركة للديمقراطية مثل : “تداول الحكم بطريقة سلمية، وعملية انتخابية دورية سواء كانت برلمانية أم رئاسية أو كليهما، والفصل بين السلطات، واستقلال القضاء، ومجموع الحريات العامة اللازمة لتكون مثل هذه العملية ذات معنى، وأهمها حرية التعبير عن الرأي وحرية الاجتماع، ومجموعة القوانين التي تمنع تعسف السلطة، وتأكيد المواطنة المتساوية التي تميز العلاقة بين الفرد والدولة، ومشاركة المرأة ومساواتها في العمل والمنصب والحقوق. ونفي التمييز بكل أشكاله”.

ويخطئ من يظن أن الطريق ممهد نحو الديمقراطية، فلا بد أن نشق إليه السبيل بأنفسنا. ولذلك لابد للديمقراطية من ديمقراطيين يعلمون ما يفعلون وماهم عنها بغائبين. لأجل ذلك أول مبادئ الديمقراطية “الفصل بين السلطات” ليأخذ القضاء مسؤولياته ويقوم بعمله ويحكم على الجانين والمخطئين، بغير خوف من سلطة أعلى تحاسب وتفصل وتحمي وتمنع، وفي الديمقراطية المشرع يشرع للحاجات وللمصلحة العامة، ويعرف أنه مراقب ممن فوّضه، ومتابع من قوى المصالح المتنافسة التي ستكشف انحراف أهداف التشريع السلبي وغاياته المنحازة، فيكون صوت المعارضة معترفًا به، وحقه في الاعتراض قائمًا ليس عليه حجاب، ويمكنه المعرفة بلا حدود. أما السلطة التنفيذية فتمتثل تطبيق القانون، وتحمي حقوق الأفراد من الانتهاك، وتمتلك القوة لقهر المخالفين وبالقانون، وتسهر على المصالح والحاجات.

وبعد مرور الدورة الانتخابية سترى مدى رضى الناخبين عنها بتأييدها ثانية، أو حجب التأييد عنها. وبذلك يكون “تداول السلطة” هو المنفذ التالي لتطبيق الديمقراطية، فلا احتكار في السياسة ولا تفرد في القرار.

روح الديمقراطية المساواة، فلا تفرقة في لون أو جنس أو دين وطبقة أو انتماء، والديمقراطية تتطلب الاعتراف بالآخر، وقبول المختلف، وتقوم على التسويات في المصالح، والحوار من أجل اكتمال المعرفة، وتقليل الفوارق بين الطبقات.

وكلما ازدادت الفروق وتعمقت ضعف الحس الديمقراطي، وصار التعبير عنها صوتًا يباع، واستثمارات تنهب بوسائل قانونية، وسكوتًا عن الحقوق، ورضى بمقدمات الاستبداد، فتنتهك المبادئ وينحرف المسار، وتصبح الديمقراطية وسيلة استبداد.

وهذا ما أسماه بعض المفكرين الاستبداد الديمقراطي، إضافة إلى استبداد الأكثرية الهوياتية بالأقليات باسم ديمقراطية الصندوق.

الديمقراطية؛ تساوي مجتمع الكفاية والسلام، ما يعني العيش الآمن الذي تنطبق عليه الآية: “وأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”. فلا عويل من جوع ولا خوف من قهر.

ولا يمكن لمجتمعات الجهل والتهميش والافقار أن تتحدث عن الديمقراطية، وبدون المشاركة السياسية والعدالة الاجتماعية يختفي مضمون الديمقراطية، وفي ظل التوزيع العادل للثروات وتأمين فرص العمل والاقتصاد المتطور والقوي تكون الديمقراطية حقيقية.

يبقى التأكيد أن “الطريق إلى الديمقراطية ليست مفروشة بالورود، وعلينا أن نقتلع الأشواك بأيدينا ونحن نشمر ونجتهد إليها”.

رياض درار